عمل الشاعر عصام أبو زيد الجديد هو محاولة لخلق لغة لاعقلانية تمّد دلالتها والمشاهد التي تعرضها إلى أزمان سابقة أو لاحقة. فيه نجد أيضاً استخداماً لأحد الأساليب الأساسية في الشعر المعاصر، وهو التفكيك وإعادة بناء الكلمات. تلميحات وتلاعب بالمفردة يسعى الشاعر من خلالها الى أن يُعيد لأفكاره الخاصة التي تقتات منها قصيدته، معناها الخفي وحيويتها الإبداعية.
الشاعر المصري أمضى سنوات طويلة في السعودية يعمل مديراً لتحرير مجلة «سيسرا» الأدبية الثقافية، وعاد منذ فترة إلى مسقط راسه في جنوب مصر مُنهياً سنوات غربته. صدرت له حديثاً مجموعة شعرية «اخترعت برتقالة» (دار روافد) هي السادسة في تجربته بعد «النبؤة»، و«ضلوع ناقصة»، و«كيف تصنع كتاباً يحقق أعلى المبيعات»، و«الحياة السرّية للمجنون الأخضر»، وسواها.
في كتابة أبو زيد الشعرية، نقرأ شغفه بالموسيقى. هو يؤكد على هذا الشغف، قائلاً: «أحب أن تلتصق بي صفة المستكشف للموسيقى عبر العالم، أكثر من النظر الى تجربتي باعتباري كاتباً أو شاعراً، لأن الكتابة هي فعل لاحق لفعل الاستماع الى الموسيقى. موسيقاي صاخبة، وخليط من الهيفي ميتال، والهارد روك، وبهجة الكونتري ميوزيك، والهيب هب والجاز والسول والبلوز والبوب. أحبّ أن أتتبّع تاريخ الفرق الغنائية منذ النشأة حتى صعودها أو اضمحلالها. كانت امنية حياتي، ولا تزال، تأسيس فرقة غنائية أنا فيها عازف الغيتار الرئيسي، وقائدها بالطبع».
كما نرى الى العفوية والتلقائية (ليست تلقائية مجانية) التي تسم كتابة أبو زيد، فهو يكتب
بحرية كاملة، غير مشغول بأي طروحات حول الكتابة الشعرية، وغير مهموم أيضاً بتحقيق مشروع خاص في الكتابة. يحكي دائماً في أحاديثه عن هذه النقطة تحديداً: «أنا لست متميزاً ولا أريد أن أكون. التميز سجن كبير، وأنا أحبّ الحرية ولا أريد الشعر، بل أريد الكلام الذي يذهب الى القلب. تستغربين قولي إنني أنسى قصائدي، وعندما أعود اليها بعد فترة، أعجَب مما كنت كتبته. قد يكون سبب تعجبي أنّها قصائد رديئة وتافهة أو قصائد رائعة جداً. أحب أن أقرأني لأتأكد أن الكتابة عبث كبير لكنه... حلو».
من يقرأ قصائد أبو زيد، لا يتعرّفه، ولا يعرف في أيّ زمان أو مكان يعيش، ومن أي جنسية هو، خصوصاً مع شخصيات قصائده النسائية التي تتكرر فيها الأسماء: كارولينا، مونيكا، سيلينا، ميرندا وسواهن... أبو زيد لا يعرف الإجابة عن مصدر وحضور هذه الشخصيات لكنه يعترف «أسافر كثيراً عبر الخيال، وهذه هوايتي الأولى. أحبّ أن أتواجد في أماكن كثيرة مع حسناواتي المتجددات في القصيدة دائماً، ولكنني عالق هذه الأيام مع امرأة عدمية وكئيبة في بلد لم تصافحه الشمس منذ ثمانية أشهر. ربما كان عالمي الصغير والمحدود واقعياً، وعزلتي عن الحياة الاجتماعية والثقافية، دافعاً للبحث عن عالم افتراضي يوافق روحي الشغوفة بالتجوال والسفر».
أما عن أحوال القصيدة الحديثة في مصر، فيرى الشاعر تقدماً في هذا المجال: «هناك تجارب شابة ذات أصالة وإبداع أتعلم منها شخصياً على طريقتي الخاصة. بل أعتبر نفسي موهبة شعرية شابة تلتمس الدعم والتشجيع من الآخرين، وأعجب من الهجوم على الشعراء الشباب واعتبارهم تكراراً لتجربة جيل التسعينيات في مصر، وهذا غير حقيقي وإعادة إنتاج لمعارك عقيمة أفسدت الكثير من التجارب الشعرية وأهدرت وقتها في حرب طواحين الهواء. أحب تجربة أسماء ياسين، وغادة خليفة، وعزة حسين، ومروة أبو ضيف، وجيهان عمر، ورغدة مصطفى وسارة عابدين. أرى أن الشاعرات الشابات هن الأكثر إبداعاً في هذا الوقت، ويمكن تعميم هذا عربياً».
لأبو زيد تجربة روائية وحيدة تحت عنوان «يوميات ناقل أسرار». مع ذلك، لا يعتقد بأنه روائي بأيّ شكل من الأشكال، «مع أنّ كثيرين من قرّاء صفحتي على الفايسبوك، يشيرون الى خصائص السرد في قصيدتي ويدعونني الى كتابة الرواية. تجربتي الروائية الوحيدة جاءت للسخرية من الشكل الروائي بغية تحطيمه، لكنها تآمرت ضدي ونجحت. لا أحب أن أكون روائياً».
وعن مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الكتابة الشعرية العربية، يرى أنّ الفايسبوك تحديداً، أدى الى ازدهار الكتابة الشعرية وخلق مساحة من التواصل مع القراء كانت مفقودة. اعتبر نفسي مواطناً فايسبوكياً بامتياز. أعيش داخل ذلك الفضاء الأزرق وأكتب قصائدي مباشرة، وأنا أتجوّل عبره. ربما الفايسبوك هو سبب عودتي الى الكتابة بعد طول انقطاع، لأنه أتاح لي نوافذ مشرّعة على عوالم بعيدة وجمعني بقرّاء لم يكن الكتاب المطبوع يصل اليهم».
أخيراً يرى أبو زيد ــ وهو غزير الإنتاج، خصوصاً في السنوات الأربع الأخيرة ــ أنّ الغزارة لا تؤثر على قيمة الإبداع الأدبي، لكن المسألة مختلفة معه كلياً إذ يقول: «نعم، الشعر نادر. لكنه معي غير ذلك، لأني لست بشاعر. أنا شخص يحب الشعر ويكتبه بديلاً من أشخاص آخرين. علينا أن نكتب ونترك للوقت أن يقول كلمته. أعتقد أنّ هذه الغزارة إيقاع لروح تعاني من نشاط مفرط، وربما كانت حالة مرضية تحتاج الى علاج».