أثار التفشي «السريع والمذهل» لفيروس «زيكا» في 24 دولة في الأميركيتين استنفاراً عالمياً، خاصةً بعدما أعلنت «منظمة الصحة العالمية»، أمس، حالة الطوارئ، وسط مخاوف من أن يصيب الفيروس الذي ينتقل بلسع البعوض، نحو أربعة ملايين شخص في القارة الأميركية. وبرغم أنه لم يتم حتى الآن الحسم في مسألة الترابط بين الإصابة بالفيروس وصغر حجم الرأس لدى حديثي الولادة في عدد من الدول في القارة الأميركية، غير أنّه، وفق وكالة «رويترز»، هذه هي المرة الرابعة التي تعلن فيها «منظمة الصحة العالمية» حالة الطوارئ الدولية المتعلقة بالصحة منذ عام 2007 عقب اتخاذ إجراءات خاصة بالانفلونزا والايبولا وشلل الأطفال.


«زيكا»: الأصل والأسباب

يعود إسم «زيكا» إلى غابة تقدّر مساحتها بنحو 12 هكتاراً وتبعد نحو 25 كيلومتراً من العاصمة الأوغندية كمبالا، وهي الموطن الأصلي للفيروس، الذي تمّ اكتشافه لأول مرة عام 1947. ومنذ ذلك الحين، سجلت بعض الحالات المتفرقة على طول خط الاستواء، من أفريقيا إلى آسيا.
لكن في عام 2007، تفشى الفيروس في جزيرة ياب في مايكرونيزيا في المحيط الهادئ، ليصيب 75 % من السكّان، وفق «منظمة الصحة العالمية».
وفي الثالث من آذار/مارس 2014، أبلغت شيلي المنظمة بأنه تمّ تأكيد وجود حالة مصابة بفيروس «زيكا» في جزيرة «القيامة» (أو الفصح)، حيث استمر تسجيل الحالات حتى شهر آب/اوغسطس 2014.
وفي شهر أيّار/مايو 2015، أكّدت السلطات البرازيلية وجود الفيروس في شمال شرق البلاد. ومنذ ذلك الحين، بدأ الفيروس ينتشر في الأميركيتين، وفق «منظمة الصحة العالمية».
وينتمى «زيكا» إلى عائلة الفيروسات المسببة للحمى الصفراء، وينتشر بين البشر من خلال لسعات بعوض «الزاعجة المصرية» (تسمى أيضاً بعوضة الحمى الصفراء)، الذي ينقل أيضاً حمى الضنك وفيروس الشيكونجونيا.
وعادةّ ما يتسبب الفيروس بأعراض غير مؤذية نسبياً، مثل الإصابة بالحمى والطفح الجلدي وآلام في المفاصل والعضلات والتهاب الملتحمة وظهور طفح جلدي. إلّا أنّ نسبة 80 في المئة من المصابين بالفيروس لم تظهر عليهم أي من تلك الأعراض، التي تستمر من يومين إلى نحو أسبوع.
ونادراً ما يؤدي الفيروس لمضاعفات في الجهاز العصبي والمناعة الذاتية، إلّا أن بعض الحالات سجلت في بولينيزيا، ومؤخراً في البرازيل.
ويقول الخبراء إن هناك أدلة متنامية تربط بين «زيكا» والارتفاع في أعداد الأطفال الذين يعانون من تشوهات خلقية تتمثل بصغر حجم الجمجمة (مايكروسيفالي)، وهو خلل في النظام العصبي يجعل حجم رأس المولود أصغر من معدله الطبيعي، وهو ما يؤدي إلى إصابة الطفل بإعاقات ذهنية وتأخر في النمو. وراهناً بات ذلك يظهر في القارة الأميركية الجنوبية، وخاصةً في البرازيل، البلد الذي شهد أكبر عدد من الإصابات لدى حديثي الولادة، إذ منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر تم تسجيل 3893 حالة «صغر في الجمجمة»، مقارنة مع حوالى 160 حالة فقط خلال الفترة نفسها من العام السابق.


تخوفات من الانتشار السريع

تشير التقديرات إلى أن «زيكا» قد تصيب بين ثلاثة ملايين وأربعة ملايين شخص في الأميركيتين، بينهم 1.5 مليون شخص في البرازيل وحدها. ويعتقد باحثون بأن سبب الانتشار السريع يعود إلى عدد من النشاطات الرياضية في البرازيل التي جذبت عشرات الآلاف من الناس من كل أنحاء العالم. وعلى سبيل المثال، يرجح الدكتور، بيتر أرمبروستر، وهو أستاذ علم الأحياء في «جامعة جورج تاون»، بأن «يكون مصاب من بولينيزيا الفرنسية قد سافر إلى البرازيل لمشاهدة كأس العالم ربما، ما أدّى إلى هذا الانتشار السريع».
من جهة أخرى، يقول مدير معهد التجارب السريرية واليقظة الدوائية، ألكسندر بريشوس، إن «غالبية السكان في البرازيل معرضة بصورة أساسية للإصابة بفيروس زيكا، لذلك نتوقع إصابات عدّة بالمرض وهذا يفسر مدى أهمية إيجاد لقاح يعمل على الحد من انتشار المرض».
ومع وجود فرضية علاقة محتملة بين «زيكا» وصغر حجم الرأس لدى حديثي الولادة، يوضح بريشوس أنه «بمجرد معرفتنا بوجود علاقة أكيدة بين الفيروس وصغر حجم الرأس لدى حديثي الولادة سنكون في وضع أفضل لمعرفة ما إذا كان اللقاح أو العلاج سيكون متوفراً خلال مدّة زمنية معينة».
أمّا في كولومبيا، فقد أفاد معهد الصحة الوطني، يوم السبت الماضي، بأن هناك 20297 حالة إصابة مؤكدة بالمرض، من بينها 2116 حالة لنساء حوامل. وقال المعهد إن 37.2 في المئة من النساء الحوامل المصابات بـ«زيكا» يعشن في إقليم نورتي دي سانتاندير على الحدود الشرقية مع فنزويلا.
ونصحت وزارة الصحة الكولمبية النساء بتأخير الحمل ما بين 6 و8 أشهر لتفادي مخاطر محتملة ذات صلة بالفيروس. وبحسب تقرير لشبكة «بي بي سي»، فإن كولوبيا تتوقع أن يصل إجمالي عدد الأشخاص المصابين بالفيروس إلى نصف مليون شخص هذا العام.
وفي الولايات المتحدة، سجل 36 حالة، بينهم أربع نساء حوامل في إيلنوي، واشنطن، ونيويورك، كما تمّ التأكّد، مختبرياً، من 20 حالة في الأراضي الأميركية، إحداها في بورتوريكو، و19 في جزر فيرجن.
وسجلت حالات إصابة بالفيروس في أوروبا وأميركا الشمالية لدى أشخاص عائدين من عطل أو رحلات عمل إلى الدول التي ينتشر فيها الفيروس، ما دفع المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها إلى التحذير من السفر إلى 24 بلداً وإقليماً هي: البرازيل، كولومبيا، السلفادور، غيانا الفرنسية، غواتيمالا، هايتي، هندوراس، مارتينيك، المكسيك، بنما، باراغواي، سورينام، وفنزويلا، بورتوريكو، جزر فيرجن الأميركية، جمهورية الدومينيكان، بربادوس، بوليفيا، الإكوادور، غوادلوب، وسانت مارتن، وغيانا، والرأس الأخضر وساموا.


سبل الوقاية

يقول خبير الأمراض المعدية لدى المعاهد الوطنية الأميركية للصحة، أنتوني فاوسي، إن الفيروس يستشري «بطريقة وبائية». ولأنه لا يوجد حالياً أي علاج محدد لهذا المرض أو لقاح مضاد له، فإن الوقاية هي وسيلة الحماية الوحيدة.
ينصح الخبراء بتجنب لسعات البعوض الناقل لفيروس «زيكا» قدر الإمكان، وذلك من خلال تغطية الجلد المكشوف بكريمات تبعد البعوض وتعمل كطبقة واقية. وإذا لم يتوفر ذلك، فعلى الشخص الموجود في أماكن فيها خطر ارتداء سراويل طويلة وفضفاضة وأكمام طويلة.
ومن النصائح الأخرى، حماية المنزل من البعوض من خلال إغلاق الأبواب والنوافذ واستخدام الناموسيات، وخاصةً خلال النهار إذ أن بعوضة «الزاعجة المصرية» تفضّل ضوء النهار.
كذلك تطلب «الوكالة الأميركية للحماية البيئية» ودول أميركا اللاتينية من المواطنين الحذر من المياه الراكدة، التي تعتبر بيئة تكاثر مثالية للبعوض، مثل أحواض السباحة والمزهريات وأواني النباتات وغذاء الحيوانات الأليفة وأقفاص الطيور. وتدعو إلى تجنب تراكم النفايات المنزلية، التي ينبغي أن توضع في أكياس بلاستيكية مغلقة.
وبالرغم من أن سبل الوقاية بسيطة، إلّا أنها قد تكون مستحيلة في كثير من أجزاء أميركا اللاتينية، حيث يعيش الناس في فقر شديد يساهم في خلق بيئة تنتشر فيها الحشرات.
وينصح الخبراء بتجنب السفر، إلى المناطق التي تعاني من انتشار الفيروس. وطلبت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، من الحوامل في الولايات المتحدة تأجيل السفر إلى أميركا اللاتينية ودول الكاريبي قدر الإمكان. من جهتها، نصحت الخارجية الالمانية النساء الحوامل بتجنب السفر إلى الدول المتضررة، بعدما رصدت ألمانيا خمس حالات إصابة مؤكدة بالفيروس.
أمّا رئيسة «منظمة الصحة العالمية»، مارغريت تشان فقد دعت، مساء أمس، دول العالم إلى «أن تركّز جل أبحاثها على إنتاج مادة لقاح للفيروس». وقالت إنّ الأمر يتطلب تضافر الجهود الدولية لتحسين أساليب الرصد مع تحسين أساليب تشخيص المرض، معتبرة في الوقت نفسه أن المسألة لا تستلزم فرض قيود على السفر أو التجارة.