الإنجاب والثورة
لا أعلم متى لوحظ الأمر، لكن الغرب سبقنا بتعريفها والاستعداد لعواقبها كي يركب موجة التغيير وعدم غرق مصالحه فيها. أما الشرق، فكما عهدناه، متأخر ورجعي عاجز عن التخطيط للرؤية البعيدة الأمد ومنهمك، حكومة وميليشيات وأحزاباً، بردود الفعل. لكنه مهما خطط، فالظاهرة عامل طبيعي كالتسونامي والزلزال... لا محالة من نتائجهما.
ظاهرة الإنجاب تعني فترة زمنية تشهد حدة في الإنجاب، كما في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية 1946ـــــ 1964، والثورة الفرنسية والحرب الباردة وغيرها.
هذه الحدة في الإنجاب سميت أيضاً «البركان»؛ لأن كثرة الأعداد فيها كفيلة بأن تعيد صياغة المجتمع الذي تمر به.
لم نعِ أو نعدّ لهذه الظاهرة، لكن الغرب درسها وخطط للتأقلم مع عواقبها. ورغم تعدد الدراسات والآراء، أكتفي بهذا العنوان «ظاهرة الإنجاب في الشرق الأوسط» وما نشر في المجلة الإلكترونية «الديموغرافية الأميركية» في أيلول 1، 2002: «إن الأعداد الهائلة من الشباب العربي نتيجة ظاهرة الإنجاب ستعطيهم تأثيراً أكبر على مصير بلادهم من أي جيل أو زمن أتى من قبلهم». وأظهرت دراسة للبنك الدولي في عام 2006 أن 30% من التعدد السكاني العربي بين الـ 15 و 29 من العمر، وهو الأعلى في تاريخ هذه الأمة.
وبعد مرور الأمة العربية بالقائد الدكتاتوري الذي انفرد بالمال وتعرى من الإنجاز وبرع في استيراد كل شيء وتصدير لاشيء سوى الموارد الطبيعية... حتى شعوبه، وبعد مرور الجيل الصامت المغدور، المغبون، المهزوم الذي هاجر فتفرق وعانى فتفرد، ومنه شخصيات بلا وحدة وأحزاب بلا دولة، أتى الجيل الصاعد من ظاهرة الإنجاب، وأتى معه شعار هزّ الأمة العربية «الشرق الأوسط الجديد» وبرامج عسكرية بطابع نازي «كغزو العراق» والبحث المزيف عن أسلحة الدمار الشامل، وأخيراً وليس آخراً، جمعيات ومبادرات «شراكة» لدعم الشباب العربي، ومنها «مبادرة الشراكة في الشرق الأوسط» التي وضعت لها وزارة الخارجية الأميركية ميزانية 500 مليون دولار لدعم المجتمع المدني من خلال الشركات غير القابلة للربح والشركات الخاصة، وفتحت مكتبها الأول سنة 2004 في... تونس.
لا. ليست الثورة مستوردة. وليست أدمغتنا مصبوغة ومغسولة لتطبيق الثورة من منظار غربي أو شرقي. إنها، كما قلنا، ظاهرة طبيعية لا محالة منها نتيجة حدة في الإنجاب.

مازن سكرية