كان المواطن السوري في الأشهر الماضية يقول إنّ سوريا قبل الأزمة ليست كما هي الآن، وبعد قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا، أصبح يمكن المواطن السوري أن يقول «سوريا في الأزمة لن تكون كما هي في أزمتها بعد قرار الجامعة». الشارع السوري ارتفعت فيه نسبة الغليان من قبل كل الأطراف، فمن جهة المعارضة المنقسمة، جرت تلبية نداء المعارضين الذين خرجوا بداية الشهر الماضي تحت شعار «تجميد العضوية»، المرفوع من قبل المجلس الوطني السوري، الذي يمهد لنفسه دخول الجامعة العربية كممثل للشعب، لا كمعارض فقط. أما من جهة القسم الثاني من المعارضة، فقد جرى تجاوز مطلبهم بعدم اتخاذ قرار كهذا، مما يثير تساؤلات عن مدى تأثيرها في المعارضين المؤيدين لمواقفها. أما من جهة الموالين للنظام، فجدران السفارة القطرية والسعودية والتركية، هي أكبر دليل على ما يحمله من رمزية السخط والكره الذي عبر عنه شباب سوري رافض لقرار الجامعة العربية، برشق السفارات بالبيض والزجاجات الفارغة والكتابة على جدرانها. لم يكن السوريون يتوقعون أنّه سيأتي يوم تعلَّق فيه عضوية سوريا في الجامعة، التي هي مؤسس وعضو فيها. الجو العام كان دائماً غير مبال بقرارات الجامعة التي لم تكن تُحدث أي تأثير في العالم العربي، وخاصة في المسألة الفلسطينية. ومن هنا كانت ثورات الغضب عند كثير من السوريين في كيفية اتخاذ قرار بحق بلدهم، ولم تُتخَذ قرارات مفصلية في وجود وحياة الشعب الفلسطيني. فبين إضاعة النظام فرصاً عديدة منذ بداية الأزمة حتى الآن، وضبابية الموقف العربي وقرار التعليق، ستكون سوريا في تحدّ صعب لدى مواليها ومعارضيها، في كيفية إدارة الأزمة في الأسابيع القادمة.
الداخل في تفاصيل الأزمة السورية، وخاصة من جهة العنف الموجود في سلوك بعض المعارضين والموالين، يدرك تماماً في قراءة للأيام القادمة أنّ نسبة العنف سوف تزداد، نتيجة الدخول إلى مربع التخوين بطريقة قوية وضاغطة بين أبناء المجتمع، مما يخلق صعوبة في إدارة الأزمة ضمن الشارع السوري. وصعوبة إمساك الشارع تعني عدم القدرة على ضبط كلا الطرفين لمناصريه، وبالتالي دخول من يستثمر هذا الخلل لمصلحته، إن كان من النظام أو المعارضة، مما قد يؤدي إلى حرب داخلية، قد تحوّل سوريا إلى ساحة صراع لقوى إقليمية ودولية.
صعوبة إدارة الأزمة ليست فقط على مستوى الشارع السوري، بل على المستوى الإقليمي، فتعليق العضوية في الجامعة العربية يدخل سوريا والمنطقة في مرحلة جديدة، تقترب بها إلى حافة الحرب. فالسيناريو الذي يمكن توقعه هو اعتراف الجامعة العربية بالمجلس الوطني، لكونه ممثلاً عن الشعب السوري. وبالتوازي مع هذا الاعتراف، ستكون نسبة العنف والدم في البلاد في ارتفاع، مما يستدعي اتصالاً عربياً بالمنظمات الدولية، كما جاء في بيان الجامعة العربية. وبعد رفع الطلب إلى مجلس حقوق الإنسان، النافذة التي توصل القرار إلى مجلس الأمن، والطلب منه إصدار قرار حازم بالشأن السوري، تكون حافة الهاوية قد بدأت تأخذ مسارها.
هل سيتخذ النظام السوري مسار حرق المنطقة وزلزلتها، إن شعر بأنّه مهدد بالخطر الحقيقي؟ هل سيتخذ مجلس الأمن أو حلف الناتو قراراً بالتدخل العسكري في سوريا؟ هناك من يستبعد التدخل العسكري، لكون جميع الدول المعنية بأي تدخل، هي تحت أعباء اقتصادية صعبة، ستكون متعبة بالنسبة إليها في حال دخولها حروباً جديدة، لكن من يقرأ تاريخ الحروب يدرك أنّه في معظمها كانت الدول تتخذ من الحرب وسيلة للخروج من أزماتها الاقتصادية والسياسية. الأوراق هي الآن بيد النظام السوري، كيف ستكون إدارته للشارع السوري من خلال ضبط الموالين له والمحافظة عليهم، على الرغم من الضغوط الاقتصادية التي تتعبهم في حياتهم المعيشية، ومن خلال حواره مع المعارضة وتنفيذه الوعود التي اتخذ على عاتقه تطبيقها، وبالتالي قدرته على إمساك الداخل؟ كيف سينعكس ذلك على إدارته للمواضيع الدولية والإقليمية، فهل سنكون على أبواب حروب أم على أبواب تسوية شاملة؟
* كاتب لبناني