صيدا لم تخلع ثوبها
على غير عادة، وبعد قراءتي للجريدة التي لم تغب صورتها من اليوم الأول لصدورها، كان ما ورد في مقال أمس تحت عنوان صيدا «نصرة السوريّين تنتقل من المسجد إلى الشارع» بمثابة كابوس تماثل أمامي، وأن مدينتي التي تربيت بين أزقتها وتعلمت في مدارسها وتصادقت مع شبابها من دون تمييز قد تحولت في ليلة تكاد تكون خارج روزنامة العام إلى مدينة لا تشبهها من قريب ولا حتى من بعيد، وربما تكون قندهار 2 تحت وصاية حركة طالبان.
صدق جريدة «الأخبار» وما تمثله لي من بقعة ضوء في زمن أضحى فيه الضوء عملة نادرة، دفعني إلى كتابة هذه الكلمات على صفحاتها، وبكل محبة وتقدير أرى أن المقال الذي ورد يوم أمس يحاول أن يرسي معادلة جديدة من نسج الخيال. قد يكون الانتماء إلى حزب أو عقيدة لأي كاتب أو صحافي أو لأي شخص يعمل في مجال الإعلام والإعلان هو حق مقدس وكفلته كل الشرائع الحقوقية، إلا أن إسقاط قناعات الإعلامي على المواطنين هو شيء سيئ جداً.
لكن في كل الأحوال، فإن ساحة الشهداء في مدينة صيدا، وتحديداً يوم الجمعة عند الساعة الواحدة والنصف ظهراً، قد دحضت كل المزاعم بأن الساحة قد تشهد خطوة جماهيرية لافتة نصرة للشعب السوري وبراءة من نظامه، على الرغم من أن الكاتب العزيز حاول أن يضفي على مقالته نوعاً من التوازن عبر التساؤل عن نجاح هذا التحرك في محاولة منه «لحفظ خط الرجعة».
حضر بضع المئات إلى الساحة، بعكس ما كان يروّج له المنظمون من أن عشرات الآلاف سوف يزحفون إليها.. على الرغم من أن الجهات الداعية تجاوز عددها عدد أصابع اليدين، ومن ضمنهم الجماعة الإسلامية، التي ارتدى مناصروها قمصاناً سوداء وقبعات خضراً، وتجمّع القوى السلفية في صيدا والجوار بالإضافة إلى إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ احمد الأسير فضلاً عن مجموعة كبيرة من مناصري حزب تيار المستقبل الذين لم يشاركوا تحت رايتهم الحزبية مع أن التنسيق بينهم كان واضحاً للعيان.
أمام النصب التذكاري لشهداء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 سقطت مرة جديدة كل محاولات البعض الذي يريدون أن يُلبسوا المدينة لبوساً مستورداً مستغلّين حماسة أبناء المدينة. لكن عاصمة المقاومة ستبقى رغماً عن أنف الجميع مدينة للتنوع تتسع لكافة مشاربها السياسية وتنوّعها الطائفي والمذهبي بالتوازي مع التنوع السياسي فيها.
والسؤال الذي يطرح: لماذا لم تتحرك هذه الجهات إبان حرب تموز 2006 ولماذا لم يبادروا حتى إلى عقد لقاء تضامني مع أهل الجنوب الذين تركوا بيوتهم وعاشوا في العراء مشردين؟ ولماذا لم نشاهد الجهات عينها تناصر المقاومة في فلسطين وتقيم اللقاءات والتحركات الداعمة لأهلها؟

جمال الغربي