محاصصة وفساد
يبدو أن انتقال الأكثرية السياسية من موقع إلى آخر لا يؤثر على منظومة المحاصصة والفساد الإداري التي استحكمت في مؤسسات الدولة وإداراتها، ووجدت لنفسها أرباباً وأنصاراً ومحازبين في الاصطفافين السياسيين المعتمدين 8 و14 آذار على السواء.
فالمطروح على جدول أعمال مجلس الوزراء في جلسة الغد ـــــ الثلاثاء ينبئ بأن لا قيمة ولا اعتبار لمعايير الكفاءة ونظافة الكف ومنع الكيدية التي يُتغنى بها عند الحديث عن إطلاق عجلة التعيينات الإدارية، فضلاً عن تجاوز الآلية التي يتغنّون باعتمادها كوسيلة لمنع المحاصصة والاستنسابية.
فقد عقدت اللجنة المعنية بتطبيق آلية التعيينات جلسات عدة أيام الحكومة السابقة لتحديد مرشحين للمديريات العامة الآتية: الصناعة (عُيّن الأستاذ داني جدعون)، التجهيز والصيانة في وزارة الاتصالات والتعليم المهني والتقني في وزارة التربية، وتقدمت باقتراحات مكوّنة من ثلاثة أسماء لكل مديرية، إلا أن الذي كان متداولاً آنذاك وما زال حتى اليوم هو تسمية الأستاذ غسان بيضون للأولى والأستاذ أحمد دياب للثانية .. وبعيداً عن مواصفات كلٍّ منهما، يقودنا الأمر إلى طرح الاستفسارات الآتية:
أولاً: لماذا لم تعاود اللجنة المعنية ـــــ بعد الحكومة الجديدة ـــــ الاجتماع للنظر مجدداً في هذه الاقتراحات وما يمكن أن يكون قد طرأ على ملفات الأسماء المطروحة كافة!
ثانياً: إذا كانت الأسماء التي ستُعيّن محددة ومعروفة سلفاً استجابة للمحاصصة السياسية .. فما هو الدور الذي تقوم به اللجنة المذكورة؟ .. لا أرى دوراً سوى تغطية المحاصصة وتبييض سجل الفاسدين من خلال إمرار أسمائهم عبر لجنة من المفترض أنها تضع نظافة الكف والنزاهة والكفاءة معياراً وحيداً لاختيارها، وهو أمر مشابه تماماً لما يحصل في موضوع تبييض الأموال!
ثالثاً: أما بالنسبة إلى المديرين العامين الحاصلين على أحكام ملزمة من مجلس شورى الدولة تستوجب التطبيق الفوري لتمتع هذه الأحكام بقوة القضية المُحكمة .. ورغم أن إدخال هذا الأمر في آلية التعيينات كان قمة الكيدية السياسية، ورغم أن هيئات الرقابة سبق أن قدّمت رأيها المؤكِد لتطبيق هذه الأحكام .. إلا أن الحكومة السابقة أو الحالية لم تبادرا إلى وضع هذا الأمر على جدول الأعمال احتراماً للقانون والقضاء ولمؤسسة مجلس شورى الدولة باعتبارها أعلى سلطة قضائية إدارية في الدولة اللبنانية .. أليس في ذلك كيدية سياسية تمارس للضغط على مجلس الوزراء لمنعه من تنفيذ الأحكام؟!
إنني أهيب بفخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء إلغاء هذه الآلية لما تؤديه من أدوار تلغي عمل هيئات الرقابة وتتحايل على قرارات مجلس شورى الدولة وتبيّض صفحة الفاسدين وتظلم الكفاءات التي تزخر بها الإدارة اللبنانية.
المدير العام السابق لوزارة الإعلام
محمد عبيد