أقر بأنّي عاجز عن فهم المقصود بعبارة أنّي نصّبت نفسي وزيراً إعلام للثورة السورية، التي استطاع ابراهيم الأمين كتابتها في مقالته «سوريا: عندما يلتقي الحكم ومعارضوه» (الأخبار، 18/7/2011). لم يشرح الرجل مقصده، ولم يوضّح لقراء الجريدة، ما دعاه إلى قول كلام مرسل كهذا، ولم ينسب إليّ أي قول أو فعل محدد، استخلصَ منه تنصيبي الذاتي المزعوم وزيرَ إعلامٍ للثورة. ينبغي أن يكون هذا غريباً في أي منبر إعلامي يحترم نفسه. وأرى أنّه يوجب اعتذاراً من المنبر، كما من الصحافي الذي حبّر هذا الكلام الملقى على عواهنه.لا أتشرف في أن أكون وزير إعلام، ولا وزيراً لأي شيء. في نسبتي إلى وزارة علاقة بمخيلة ابراهيم الأمين، أو بتطلعاته هو، أو ببيئته ومعارفه، وليس بأي شيء قلته أنا أو فعلته في أي يوم.
وإذا كنت إلى جانب الانتفاضة الملحمية للشعب السوري منذ البداية، فلست ناطقاً باسم أية جهة منظمة في البلد، ولم أزعم ذلك أو ما يقاربه يوماً.
أنا أولاً وأساساً كاتب، وما أقوله وأفعله لا يُلزِم أحداً غيري، لكنّي ملتزم بالطبع، بكل ما أقول وأفعل. أما الوزارات وموائد الوزراء، والضباط، فغريبة عني وتقع في عالم آخر، له روّاده ومريدوه.
ولست ممن يتلقون توجيهات من أحد، على ما دسّ الصحافي الأمين، بأسلوب مسفّ يذكّر بالأخلاقيات المهنية والسياسية للإعلام البعثي. فإن كان يعلم خلاف ذلك، فليظهره للقراء، وإلا كان مدّعياً قليل
الأمانة.
ومن قلّة الأمانة أن يقرر صحافي، هو من هو، «التقاء» النظام ومعارضيه في سوريا، موحياً للقراء أنّ الأخيرين سيئون مثل الأول، ثم لا يلبث أن يلتمس الأعذار للنظام، ويلطِّف أحكامه عليه، فيما يشدد أحكامه على المعارضين. فإذا بهما في النهاية لا يلتقيان، وإذا بالمعارضة أسوأ من النظام. أما كنت تستطيع قول ذلك مباشرة، دون تمريره تحت عنوان مسيء بهذا القدر إلى... النظام!
وليكن الأمين أميناً، ويوضح لقراء «الأخبار»:
ألغيتُ ماذا ومنعت ماذا، على ما نسب إليّ، جاعلاً مني عينة على كائن جمعي اسمه المعارضون السوريون؟
وأين هي سواطيرنا، نحن المعارضين، وأي رؤوس قطعنا؟
أم لعله يعتبر نقدنا لسلطات وأشخاص يقومون بأدوار عامة إلغاءً ومنعاً، وقطعاً للرؤوس؟
من أجل ماذا، إذن، حرية التفكير والنقد والإعلام؟
ومتى أنكرنا على أي كان حقه في القول؟
ولماذا كلام أمثالنا منعٌ وإلغاءٌ، وكلام حضرته وأمثاله ليس كذلك، علماً أنّ نصوصه وشركاه، تنضح كراهية لمنقوديهم أكثر بكثير من نصوصي وأمثالي؟
كنت أفضّل ألف مرة نقاشاً حول سوريا والانتفاضة السورية. هناك الكثير مما يقال لو طرح شخصٌ حسن النية أسئلة، وأبدى تحفظات وأثار شكوكاً. لكن ما العمل حين يفضل صحافي، لسبب غامض وبطريقة مواربة، التضامن مع نظام يسحق شعبه ويزدريه، وحين ينسب انتفاضة السوريين إلى سفير أميركي زار حماه، بعد أكثر من 100 يوم من تفجر الانتفاضة. يا له من ضمير!
لإبراهيم الأمين أن يأخذ ما يشاء من مواقف، وله أن يقف إلى جانب النظام ضد انتفاضة الشعب السوري الشجاع، وله أن يشوّه سمعة الانتفاضة ويحرض ضدها، وأن يثني على من يشاء من وزراء ونواب رئيس، لكن ليس له أن يفتعل الصدمة حين ينتقد مواطنون سوريون لا حماية لهم كلامَه وكلام أضرابه. ولا يعفيه من وجوب التزام الموضوعية والأمانة كل مرة، إن صادف أن كان موضوعياً مرّة، أو أن حصل أن منعت جريدة «الأخبار» يوماً أو أياماً من دخول سوريا... بجريرة غيره.
* كاتب سوري