يرفض الإخوان المسلمون غريزياً ودائماً التحالفات السياسيّة، كما يرفضون مشاركة القوى الأخرى في النشاط العام عموماً. لدى الإخوان مسوغاتهم لهذا الرفض. هناك أوّلاً، نرجسيتهم العاليّة. فشعورهم بأنّهم القوّة الأكبر والأكثر تنظيماً والأقدر على حشد الجمهور في غير بلد عربي، يجعلهم ينظرون للتحالفات بوصفها ترفاً سياسياً لا طائل منه، ما دامت إمكاناتهم المادية والبشريّة تتفوّق على ما لدى الآخرين في هذا المضمار. لكنّ المسوّغ الثاني، الأهم، هو معرفتهم بما هم فاعل سياسي، بأنّ المنطق الذي يقف وراء التحالفات هو منطق يستدعي الشراكة. هذا المنطق، بالبداهة، يعني أنّ الأطراف المتحالفة أو المشاركة في خطّة عمل في الحيّز العام، سيكون لزاماً عليها التنازل أو التراجع عن بعض مفردات خطابها لصالح توفير الحد الأدنى المشترك الذي يمكّنها من العمل كمجموعة. يؤدي ذلك، والحال تلك، إلى سحب «الورقة الدينيّة» من الإخوان، أي التقليل من قدرتهم على تديين العمل السياسي، وهو ما يمثّل حسماً كبيراً من رصيدهم، بما هم حركة إسلام سياسي بالدرجة الأولى.
كشفت مليونيّة «8 يوليو» (تموز) في مصر، التي كانت ردّاً طبيعيّاً من القوى الثوريّة على محاولة الالتفاف على الثورة، من خلال تمييع عملية محاسبة فلول النظام البائد، أنّ الإخوان، وإن لم ينتقلوا إلى معسكر الثورة المضادّة، لم يبرحوا يبتعدون عن روح وأهداف الثورة، ببناء نظام مدني ديموقراطي. فهم أعلنوا بداية رفضهم المشاركة، ثم قرروا متأخرين الانخراط في الفعاليّات، وما لبثوا أن انسحبوا مبكّراً من ميدان التحرير. من الواضح تماماً، أنّه كلّما تجذّرت مطالب الثورة، كلما ابتعد الإخوان عنها. يسعى الإخوان إلى «ستاتيكو» سياسي، لا يُحمّلهم أعباء الوصول إلى معادلة داخلية ديموقراطيّة، تتناقض مع تكوينهم السياسي والإيديولوجي، وفي الوقت ذاته، لا يُريدون عودة للنظام الأمني القديم لأنّه سيعيدهم إلى سراديب العمل السرّي.
مليونيّة «8 يوليو» كانت لحظة فارقة في مسار الثورة المصريّة. لا ينبغي النظر لما جرى على أنه نشاط يهدف فقط لمحاسبة قتلة شهداء ثورة «25 يناير»، بل بعث جديد لكل القوى المصريّة صاحبة المصلحة في بناء مجتمع ونظام ديموقراطيّين. أثبتت التجربة الأخيرة، بما لا يدع مجالاً للشك، أنّ القوى الديموقراطيّة وشباب الثورة المنضوين في الروابط والمجموعات والمؤسسات الأهلية، وغيرها من الإطارات الاجتماعية والسياسيّة، قادرون بالفعل على استعادة زمام المبادرة، ومنع سلطة العسكر أو الإسلاميين من فرض جدول أعمالهم الخاص.
ولأن النضال الديموقراطي ليس مجرّد عملية تنقية للذاكرة الجمعيّة من وشوم سلطة الاستبداد، بل تأسيس للمستقبل، فإنّ المهمّة الأولى أمام القوى الثوريّة في مصر الآن، تكمن في محاولة جمع كلّ هذا الطيف حول رؤية شاملة، لا لإدارة مصر الحالية فقط، بل لمصر المستقبل، وأن تكون هذه القوى صاحبة السبق في طرح هذه الرؤية قبل كل من توهّم بأنّه أمسك قرار الشعب.

* صحافي فلسطيني