«ما تبيع أرضك البلدية ما رح تمضيلك». هذا ما يحدث الآن، علناً، في منطقة الحدث، في وقت تحدث فيه أشياء مماثلة في مناطق أخرى، لكن سراً. الإعلان بسيط وواضح، ويهدف إلى منع المسيحيين من بيع أراضيهم، والهجرة. لا بأس إذا باعوا أراضيهم لمسيحيين غيرهم، حتى لو كانوا من أعداء السياسة. لا ضير، ما دام مسيحي يحلّ مكان مسيحي. لا بأس، إذا هاجروا من دون بيع أراضيهم. لكن أن يبيعوا لغير المسيحيين، وتحديداً الشيعة، فتلك المصيبة التي تحاول البلدية تجنّبها.في المنطق، يحق لأيّ مواطن أو فريق لبناني أن يسوّق للبضاعة التي يريد عبر الإعلانات. يحق للسياسيين طرح أسهمهم في السوق. لكن ما يلحظه الدستور اللبناني، من غير شرّ، في مقدمته، هو العيش المشترك، ونبذ كلّ ما يناقض تلك الصيغة.
حسناً. «ما تبيع أرضك»، هذا إعلان. دعوة. وللناس أن يقرروا. «البلدية ما رح تمضيلك». هذه بلطجة. وإليكم ما يحدث الآن في الحدث.
لنفترض، وكلّ ما سنفترضه ليس من محض الخيال، وكلّ تطابق بينه وبين الواقع مقصود، أنّ مواطناً لبنانياً مسيحياً، مارونياً، يمتلك منزلاً تابعاً لنطاق بلدية الحدث. وبسبب الأوضاع المعروفة في لبنان، التي لا تميّز بين طائفة وأخرى، والحمد لله، اضطر إلى اقتناص فرصة «الهجرة إلى كندا»، بعد معاناة أمام السفارة الكندية، وأرسل عائلته إلى ما خلف المحيطات. ليس في جيبه ليرة واحدة، فاضطر إلى بيع بيته.
يأتي مواطن لبناني مسلم، شيعي، يمتلك أرضاً في القرية، باعها ليشتري بيتاً في المدينة. يتفق مع الماروني على عملية البيع والشراء. يشتري المنزل في الحدث، يذهبان إلى الكاتب العدل، ويوقّعان عقداً غير قابل للعزل، يقضي بشراء الفريق الأول الشقة بمبلغ محدد في العقد، لمصلحة الفريق الثاني. يأخذ الفريق الثاني حقه نقداً، ويركب الطائرة ويسافر سعيداً إلى زوجته وأولاده في كندا.
يذهب الفريق الأول لتسجيل البيت. «البلدية ما رح تمضيلك». كيف ولماذا؟ «حرة، بلّط البحر». لن يوقّع لك رئيس بلدية «الحدث وسبنيه وحارة البطم» ورقة تحتاج إليها، وهي عبارة عن «ارتفاق وتخطيط»، مستنداً، كما يقول، إلى تفاهم مار مخايل. هذا التفاهم الذي قيل يوم توقيعه إنّه سيؤسس لعيش مشترك بين المسيحيين والمسلمين، وبين الشيعة والموارنة، ظهرت نتائجه في سلوك رئيس بلدية الحدث، الذي فاز بالانتخابات البلدية وشعار حملته الانتخابية: «ما تبيع أرضك، البلدية ما بتمضيلك». ومع ذلك، فإنّ الرجل المسيحي الذي باع بيته، لم يكن يأبه لأي شيء. لم يجد ما يلزمه بالبقاء في الحدث، ربما لأنّه شعر، بأنّ مواطنيته منقوصة، وبأنّه تحوّل إلى مسيحي، يريد رئيس البلدية أن يحافظ عليه، كجنس نادر، خوفاً عليه من الانقراض. ورئيس البلدية يتعامل مع الشيعة على أنّهم من جنس مختلف، ألهاهم التكاثر، حتى زاروا الحدث وقرروا العيش فيها.
أن تحافظ على المسيحيين، يعني أن تحافظ على اللبنانيين، مواطنين متساوين أمام القانون، لا يحكمهم إلا القانون المدني، والقانون الإداري والعقاري، الذي لا يخضع للتصنيف الطائفي، حتى الساعة. فوزير العمل في الحكومة السابقة بطرس حرب، الذي حاول القضاء على الشيعة بالاستعانة بالإسرائيليين على ما يروى، لم يستطع تصريف مشروعه القاضي باستصدار قانون يمنع بيع الأراضي بين الطوائف. مشروع انتقده مسؤولون عونيون.
إذاً، على حد علمي، لا نزال نخضع لقانون يمنع رئيس البلدية هذا، أو غيره، من وضع «فيتو» على مواطنين معينين، لأنّهم من طوائف أخرى. وعلى حد علمي أيضاً، إنّ التيار الوطني الحرّ، تيار مدني، حسبما يدّعي، والتفاهم بينه وبين «حزب الله»، يؤسس حسبما يدعيان، لعيش مشترك بين المسيحيين والمسلمين، وكذلك العقارات لا طائفة لها، أينما كان موقعها وجغرافيتها، وإلا فإنّنا نتحدث عن فدرالية وتقسيم إداري، ينسف صيغة العيش المشترك.
هذا الكلام برسم كلّ من يعنيه الأمر. رئيس تكتّل التغيير والإصلاح ميشال عون أولاً، ثم السيد حسن نصر الله، رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ثم وزير الداخلية والبلديات مروان شربل، الوصي على البلديات، وهو أيضاً برسم المقتنعين والمطالبين بإسقاط النظام الطائفي.
هذا برسم الجميع قبل أن يصل الأمر برئيس البلدية، إلى تعميم شعار «ممنوع دخول الكلاب والشيعة» على المطاعم الخاضعة لنطاق سلطة بلديته.

* صحافي لبناني