وطنيّة برّي تغفر له

لعلّ اتّخاذ قرار بحجم الإخلال بالمناصفة بين الشيعة والسنّة في التشكيلة الوزارية التي أبصرت النور بتاريخ 13/6/2011، ما كان ليمرّ لولا صدوره عن نبيه بري. فقد جاءت هذه التضحية غير المسبوقة في ظروف دقيقة تمرّ فيها البلاد، وبعد عقم في التأليف أصاب الرئيس المكلّف. فَعَلَها نبيه برّي، نجم الساحة الأوحد، وضرب ضربته ومضى، ليضع خاتمه على مرسوم التأليف قبل صدوره.
فَعَلَها نبيه برّي، إذ سجّل في أقلّ من أسبوع انتصارين مدوّيين، أوّلهما دعوته إلى جلسة تشريعية في ظل حكومة تصريف أعمال، ليستعر النقاش في دستوريتها واتهامه بإحلال مجلس النواب مكان الحكومة، والانتقاص من صلاحيات الرئاسة الثالثة، ليأتي من ثمّ اللقاء الموسّع الذي عقد في مكتبه بين أقطاب التأليف، وتبدأ الغيوم بالانقشاع من سماء العاصمة وفوق بعبدا، ويعقب ذلك الاجتماع مطالعة قانونية وميثاقية ووطنية يفند فيها دعوته والهدف منها، ليخرج من ساحة النجمة نجماً دون منازع.
وثاني الانتصارين القرار الكبير بالتخلّي عن وزير شيعي من حصة الطائفة الشيعية، ليجيّر لمن؟ للطائفة السنّية، ليوجه رسالة متشعبة الاتجاهات، وسهماً برؤوس متعددة، يصيب به مقتل المتربصين بالوطن، والشامتين بعدم قدرة الأكثرية الجديدة على تأليف الحكومة، وليعلن أمام الملأ موقفاً خطيراً، تمثّل في كسر الأعراف التي تقضي بتوزيع المقاعد الوزارية مناصفة وعلى نحو عادل بين الطوائف، واضعاً الجميع أمام سابقة خطيرة، لكنها وطنية، تحقق من جهة فلسفة جديدة يمكن الانطلاق منها للبدء بتأليف الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، ومن جهة أخرى توجه ضربة قاضية إلى كل من يلعب على وتر الفتنة السنيّة الشيعية.
إنها خطوة دلت على ما يتمتع به هذا الرجل من صفات، تجعله يصيب في معظم خطواته الكبرى، وفي أحلك الظروف وأدقها، وهي خطوة أحرجت الجميع وأقلقتهم لما لها من تأثيرات وارتدادات مستقبلية، قد يؤدي سوء استخدامها إلى تداعيات طائفية، تأتي هذه المرة من داخل الطائفة لا من خارجها.
ومع ذلك، ولأن الخطوة اتخذها من لا يمكن التشكيك في وطنيته أو انتمائه إلى طائفته، وبالتشاور مع السيد حسن نصر الله، لا يمكن إلا رفع القبعة من الجميع لهذا الكبير، وملاقاته للبدء بتحقيق حلم إلغاء الطائفية السياسية، ووأد الفتنة المذهبية.
محمد حسن خليفة
(طالب دكتوراه في العلاقات الدوليّة)