«الأركيلة بصندوق تفّاح»
تعقيباً على المقال الوارد في صحيفتكم بعنوان «تفّاحة بدل السيجارة مقايضة في المطار»، أودّ أن أهنّئ جمعية «حياة حرّة بلا تدخين» على هذا الجهد النوعي والمحمود، وأن أرفع اقتراحاً لحملة مستقبلية بعنوان «إذا السيجارة بتفاحة، الأركيلة بصندوق تفاح».
يحلو للمرء أحياناً أن يتوه في عالم الخيال حيث المستحيل ممكن، فإذا بي أجول يوماً في شوارع بيروت ولا نراجيل في الأفق. طبعاً مشهد خيالي سينمائي بامتياز. لبنان الذي عُرف بجنة اللّه على الأرض، أصبح جنّة المدخّنين على الأرض، حيث إنّ فنون التدخين في لبنان وصلت في إبداعها إلى درجة استنساخ ما يُعرف بالنرجيلة الصحية. إن آفة التدخين قد تفشّت في المجتمع إلى درجة كبيرة، والهروب من هذه الآفة أصبح من أكبر التحديات. فلا خجل من التدخين قرب الحوامل والأطفال وفي الأمكنة العامة، ولا رقابة على أعمار المدخنين، وخصوصاً في المقاهي.
استوقفني أخيراً خلال استجوابي لكثير من المرضى في عيادتي، أن معظمهم يعتبرون تدخين النرجيلة مجرد تسلية اجتماعية لا ضرر فيها، حتى إنهم يعتبرون أنفسهم من غير المدخنين إذا اقتصر التدخين لديهم على النرجيلة.
بحكم اختصاصي في طب القلب والشرايين، من واجبي أن أتكلم. إن درجة الجهل الطبي الذي نعيشه في لبنان مؤلمة. فالوقائع الطبية تشير إلى أن أمراض القلب والشرايين تمثّل حالياً المسبّب الأول للوفاة عند الرجال والنساء في العالم، والتدخين من أكثر العوامل السلبية التي لها صلة مباشرة بزيادة تلك الأمراض، فضلاً عن صلة التدخين بزيادة الأمراض الرئوية والسرطانية وغيرها.
أمّا النرجيلة، خاصة، فضررها يوازي على أقلّ تقدير ما يعادل ستّين سيجارة أو أكثر، طِبقاً لمعظم الدراسات العلمية. والنرجيلة تتميّز بضررها، إذ يُعتقد أنّ سمومها تدخل الحركة الدموية بنحو سريع ومؤذٍ جداً، بسبب ما يعرف بالـ«مايكرو بارتيكلز». إن نسبة المدخنين في لبنان تفوق الأربعين في المئة (بتحفّظ)، وهي من أعلى النسب في العالم مقارنة بنيجيريا مثلاً التي تحتل المركز الأكثر انخفاضاً، بنسبة مدخنين لا تتعدى ستة في المئة. إن التبعات السلبية للتدخين، اقتصادية كانت أو صحية، على مجتمعنا لا تحصى. الحلّ يكمن في تطبيق مبدأ طبّي أساسي يُعرف بالوقاية الصحّية، حيث إنّ تجنُّب حصول المرض أفضل بكثير من معالجته بعد حصوله...
د. ناجي إميل كرم