مدرسة الشاعريّة
في رحاب مقالة لأنسي الحاج في جريدة «الأخبار» الصادرة يوم السبت 28 أيار 2011:
كنت دائماً أقول لنفسي ما هذا السر الذي يربطني بالشعر وقدسيته وبكل ما هو شاعري وأنا لست بشاعر إنما أستاذ الكيمياء الفيزيائية ودكتور في الرياضيات إلى أن وقعتُ على مقالة للأديب أنسي الحاج تحت عنوان «المومس والفيلسوف» خلال تصفّحي جريدة الأخبار، يقول فيها إن نيتشه في أواخر حياته كان أقرب إلى الوجدان من كانط وهيغل، لأنه التحم أكثر بشاعريّته، وإن خيال أفلاطون يُثير المتعة أكثر من قوة منطقه، وإن حِكَمَ المتنبّي أجمل وأعمق من حِكَم المعرّي لأنّ المتنبّي شاعر وليس نصف شاعر أو نصف فيلسوف. وإن آية الله فضل الله ارتقى في فقهه ورؤاه، لشاعريّته، وإن المتصوّفة ارتفعوا بمعانيهم بسبب توجههم المباشر إلى القلب والوجدان والمنطق.
إن الكاتب الذي يفيض شاعرية قد أبدع حين خلص إلى القول بأن الشاعريّة هي ألزمُ من الشعر، والشاعريّة استعداد بيولوجي لا ثقافة، ويمكن أن تُعْرَف بالعلاقة باللغة، بالكلام، بالألوان، بالأنغام، بالروائح، وبالأشكال. فالنحّات إنما يرقى بشاعريّته، والطبيب يبدع بشاعريّته. وتوق البشر نحو مثال الألوهية يكون كذلك بهذه الشاعرية...
وكنتُ أسأل نفسي باستمرار لماذا تستوقفني بعض الكلمات فتبلغ وجداني وقلبي وعقلي دونما استئذان. وكنت أتساءل دوماً عن سر بعض المعادلات الرياضيّة أو الفيزيائيّة أو الكيميائيّة أو العلميّة، التي تصعق وجداني وعقلي وكل كياني بجمالها وتناسقها وتناغمها مع روعة التكوين وإبداعه. وكنت أتساءل كذلك عن سر نجاحات بعض الساسة والقادة وبعض العلماء وبلوغهم هذا المجد الصارخ بتأثيرهم الدامغ على قلوب ووجدان الناس.
وكنت أسأل نفسي دوماً عن سر هذه العلاقة التي كانت تربطني بطلابي في كل الجامعات التي كنت فيها أستاذاً محاضراً، وعن سر سعادتي ووجودي بين هؤلاء الطلاب رغم اختلاف جنسياتهم وتعدد مشاربهم من لبنانيين وعرب وفرنسيين وأوروبيين وسر تحلقهم حول أستاذهم والعلاقة المتميزة إن لم أقل الحميمة بينهم وبيني.
قرأت مقالتك فأدركت عندها السبب الحقيقي الذي يقف وراء كل ذلك.
إنها الشاعريّة بأبعادها، التي تختزل الزمان بحركيّتها وإبداعاتها.

تيسير حميَّة
(عميد كلية الزراعة في الجامعة اللبنانيّة)