الشعب يريد العودة إلى فلسطين. طبعاً، لكنّ الشعب يريد أيضاً إسقاط النظام. ليس من مصلحة فلسطين والفلسطينيّين وضع أيّ من الشعارين في مواجهة الآخر. وليس من مصلحة فلسطين والفلسطينيّين أن يصبح حق العودة عنواناً للتشويش على إسقاط الأنظمة أو إصلاحها أو تغييرها. ليس من مصلحة فلسطين أن تصبح العودة إليها شعاراً غير ديموقراطي. شعار لا تحمله وتضحّي من أجله أكثريّة الشعوب العربيّة، بل تستخدمه بعض الأنظمة لإخضاع شعوبها، أو إجبارها على قبول العيش من دون حريّة ومن دون كرامة. لا يمكن الفصل بين ما حدث، أمس، على الحدود مع فلسطين المحتلّة، في الجولان تحديداً، وما يحدث منذ أسابيع في كافّة أنحاء سوريا. الرسالة التي يبعث بها النظام السوري مزدوجة: رسالة أولى إلى الداخل السوري، ورسالة ثانية إلى الخارج.
داخليّاً، يرى النظام أنّه استعاد السيطرة على زمام الأمور بعدما أنجز مهمّاته العسكريّة، أو هو في طريقه إلى ذلك. جرى ترويع المناطق التي خرجت منها أكبر التظاهرات، وآن الأوان لحوار وطني دعت إليه السلطة. حوار لا مانع في أن يفتح أبواباً إصلاحيّة، شرط أن تكون المبادرة في يد السلطة وحدها، لا في يد الشارع. هكذا عادت مستشارة الرئيس بثينة شعبان إلى الظهور، وهي التي كانت خلال الأيّام الأولى للتظاهرات، قد وعدت بسلّة إصلاحات دسمة قبل أن تختفي أسابيع عدّة تاركةً المشهد للدبّابات والقنّاصة.
أمّا خارجيّاً، فثمّة رسالة متمّمة للأولى. إذا كان النظام يرى أنّه يملك ما يكفي من الوسائل والخبرات لـ«التفاهم» مع شعبه، فإنّه لا يريد للخارج أن يتدخّل بشأن كيفيّة هذا «التفاهم»، لا من باب الحرص ولا من باب التهديد ولا من باب حقوق الإنسان. ويبدو أنّ الحساب مع دول كتركيا أو قطر مؤجّل، باستثناء مقالات في الصحف الرسميّة أو كليبات تلفزيونيّة. أمّا أميركا وإسرائيل، فعليهما أن تفهما الآن أنّ أيّ تدخّل من جانبهما لتشجيع التغيير في سوريا، سيجعل النظام يتّبع سياسة «عليّ وعلى أعدائي». وما كان خطّاً أحمر في السابق، ليس كذلك اليوم. فما حدث، أمس، مجرّد «بروفا» ناعمة لما يمكن أن يحدث على الحدود، إن شعر النظام السوري بمزيد من الضغط.
لكنّ رسائل النظام السوري هذه لا تلغي حقيقة أخرى، وهي أنّ القنيطرة عانقت مجدل شمس أمس. عانقتها بفضل تضحيات الشعب السوري، التي جعلت من عبور الأسلاك الشائكة أمراً ممكناً. ففلسطين، رغم كلّ محاولات التشويه، هي عروس الربيع العربي، لا أرملته.