تأخّر تأليف الحكومة في لبنان. كان يمكن وضع هذا التأخير ضمن العمر الطبيعي لتأليف الحكومات عندنا، لو كان الظرف مختلفاً. أمّا اليوم، فيبدو أنّ الأزمة تتجاوز توزيع الحقائب أو انتظار تدخّل خارجي لإقناع كلّ طرف بتقديم تنازل ما. وما لم يطرأ تدخّل سوري ـــــ وهو أمر مستبعد في هذه الظروف ـــــ فإنّ الجميع سيكونون من الشاكرين لترك الأمور على حالها.الواقع أنّه ما من أكثريّة جديدة في لبنان. في لحظة معيّنة، اتّحدت مجموعة من القوى لإطاحة الحكومة السابقة، واتفقت على تسمية رئيس حكومة جديد. انتهى الأمر عند هذا الحدّ. كانت لحظة تحدٍّ وحسب. إلا أنّ أيّاً من الأطراف المكوّنة لذاك التحالف ليس متحمّساً لتأليف حكومة مع شركائه. لا بل إذا استثنينا التيار الوطني الحر، فإنّ أياً من القوى ليست متحمّسة لحكومة من لون واحد. لا هذه رغبة الرئيس المكلّف، ولا هذه مصلحة حزب اللّه اليوم، ولا هذه الكأس المرّة التي يرغب رئيس الجمهوريّة أو نبيه برّي أو وليد جنبلاط في تجرّعها.
وفي جميع الأحوال، إنّ اللحظة السياسيّة لا تحتمل اليوم حكومة من النوع الذي كان مطروحاً. ارتدادات الوضع في سوريا واحتمالاته المفتوحة أخطر من أن تُترك لحكومة يمكن تسميتها حكومة «النصف زائداً واحداً». فالأزمة السوريّة لا تحتاج إلى قرار تصدير إلى خارج الحدود. المخاوف الطائفيّة، موجات النزوح، التدخّلات الخارجيّة، العلاقات المعقّدة بين النظام في سوريا والقوى اللبنانية المختلفة... لا يُترك كلّ ذلك للصدفة.
يمكن من يدرك حجم المسؤوليّة أن يبلع ادّعاءاته بشأن قلب الطاولة مقابل اعتراف من الجميع باستحالة استمرار السياسات الاقتصادية والاجتماعية على ما كانت عليه. ويمكن أن تعود قوى 14 آذار لخطاب ما بعد الانتخابات النيابيّة بشأن سلاح حزب اللّه، والمحكمة لم تعد عقدة على النحو الذي كان مطروحاً في السابق. الخلافات بين الأطراف اللبنانيّة ليست أكثر عمقاً ممّا كان بين «حماس» و«فتح». المصالحة ـــــ حتّى الشكليّة منها ـــــ ضروريّة الآن، علماً بأنّه ما من غزّة في لبنان، وما من إسرائيل كذلك.