درجت في لبنان، منذ فترة غير قصيرة، موضة التغنّي بحقّ العودة. حقّ العودة للشعب الفلسطيني. وتعلّق بهذا الشعار أكثر اللبنانيّين عنصريّةً ضدّ الفلسطينيّين. وفي مخيّلة هؤلاء، لا تعني المطالبة بحق العودة حقاً أو عودةً. كلّ ما تعنيه خروج الفلسطينيّين من لبنان... ولو إلى جهنّم. وما دامت مجازر تل الزعتر وصبرا وشاتيلا لم تفِ بالغرض، فلا بأس بالعزف على أنشودة حق العودة.هكذا لم يجد بعض اللبنانيّين تعارضاً بين مناصرة هذا الحق وبين التغنّي بأمجاد قتل الفلسطينيّين إبّان الحرب الأهليّة. ولم يجدوا تناقضاً بين موقفهم من حق العودة وبين رفضهم إعطاء الفلسطينيّين في لبنان أبسط حقوقهم الإنسانيّة. لا بل يمكن القول إنّ رفع راية حق العودة، بالنسبة إلى هؤلاء، كانت تعني بالضبط منع الحقوق المدنيّة عن فلسطينيّي لبنان.
نكاد اليوم نشهد واقعاً شبيهاً، لكن بالنسبة إلى الشعب السوري هذه المرّة. فيمكن القول إنّ المشهد اللبناني المنقسم بين مؤيّد للتظاهرات السوريّة ومعارض لها، هو في الواقع منقسم بين فئتين تتنافسان في عنصريّتهما ضدّ الشعب السوري. فالفئة التي هي ضدّ التظاهرات هي فئة لامبالية بالشعب وحريصة على النظام، والفئة التي هي مع التظاهرات هي فئة لامبالية بالشعب وحاقدة على النظام. الفئة الأولى مستعدّة لوضع كلّ حقوق الشعب السوري ومطالباته بالحريّة في سلّة مهملات، ما دام النظام السوري ممانعاً وداعماً لحركات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق. والفئة الثانية لا ترى من مساوئ هذا النظام إلا سياسته تجاه لبنان، وهي لا تمانع في استبداله بنظام أكثر استبداداً إن اتّبع سياسات خارجيّة مختلفة. الساحات لم تنسَ بعد هتافات جموع هذه الفئة المعادية للسوريّين، ولم يجفّ بعد حبر الشعارات العنصريّة التي رُفعت ضدّ أبناء سوريا.
طبعاً، يحمل هذا التصنيف، كأيّ تصنيف آخر، تعميماً غير منصف لكثيرين. لكنّه تعميم أقرب إلى المشهد العام. ذاك المشهد الذي مرّت عليه «العلاقات الأخويّة» ومرّت عليه «إيه ويلاّ... سوريا اطلعي برّا»، من دون أن يتغيّر أيّ شيء بالنسبة إلى العمّال السوريّين في لبنان، الذين ما زال الجميع يتنافس على حرمانهم من حقوقهم.