إلى إبراهيم الأمين
لا أخفيك أنَّني كنت لا أقرأ أيَّ مقال أو تحقيق في جريدة الأخبار قبل أن أقرأَ مقالك.
لكنِّي منذ بداية الأحداث في سوريا، صرت أقرأ مقالاتك لا من إعجاب، بل لأعرف كيف يفكِّر أعداء بلادي، ويقرأون واقعه المستجدّ، ويحلِّلون الحدث فيه ويتفاعلون معه، مُنطلقاً بذلك من قول أمير المؤمنين علي، عليه السَّلام: تعلَّموا السحر ولا تعملوا به.
ولا أخفيك مقدار الألم والحرقة الذي أتجرَّعه مع كلِّ كلمة خطَّتها يدك، وأزدردُها كسكِّين تقطِّع من أحشائي القسم الذي أحبَّك يوماً، وأنتظر إطلالاتك على شاشات التلفزة، وأبتلعها كسمٍّ زُعاف، كان لا بدَّ أن أشربه، حتَّى أتقيَّأ كلّ مَشاعر الحبّ التي عبقت في داخلي لك وافترشت شغاف القلب ووهاد الفؤاد.
لقد رأيتُ عزمي بشارة، مرَّةً واحدة، يطلق علينا رصاص الغدر والخيانة، من على الشاشة، لكن ماذا أقول عن رصاصك الذي تطلقه علينا في كلّ إطلالة؟ هل هو طابور إزعاج لإيقاظنا من سبات عميق، عزَّ عليك وعلى أمثالك أن نستمرَّ غرقى فيه، ناعمين بأمن وأمان ندر وجودهما في بلد لم يخرج من تحت الضُّغوط الخارجيَّة، إلَّا ليدخل فيها منذ سنة 1973 حتَّى الآن.
أسألك: هل رأيت شريط الفيديو الخاص بقتل الشَّهيد الشَّامخ نضال جنُّود؟ إن لم تره بعد، فأتمنَّى أن تشاهده. إنّ نضال جنُّود مثلٌ عن سوريا الأبيَّة التي تكالَب عليها الأعداء كما تكالبوا عليه. منهم من امتشق سيفاً... ومنهم من رفع ساطوراً، ومنهم من شهر سلاحاً حربيَّاً... ومنهم من حمل شاشة... ومنهم من استلَّ قلماً... ونِضال جنُّود شامخٌ رغم الجراح، صامد رغم الكثرة، راسخٌ رغم الغدر والجحد.
وبلغ العهر الإعلاميُّ ذروته، عندما طالعتنا متصهينةٌ بذلك الفيديو، على أنَّه دليل على ممارسات شبِّيحة النِّظام الأمني السُّوري... وحتماً وجدت من صدَّقها!
فكما أنَّ نضال جنُّود جابه الموت بثباته وعنفوانه وإبائه، وانتصر على القتل ليحيا الوطن عزيزاً به، ويحيا بالوطن شهيداً، كذلك سوريا صامدة عزيزة شامخة أبيَّة، وإن تشابكت سكاكين الغدر مع أقلام الفتنة. ومنابر العبريَّة التي تحتل شَاشات، لم تفاجئنا عندما كشفت زيفها، لكنَّها حيَّرتنا عندما وجدناها تلامس قضايا الأمَّة، وإن ببعض التَّشكيك، بحجَّة الرأي والرأي الآخر!
أنا لا أريد أن أفنِّد أقوالك، وربَّما أفعل يوماً ما، آملاً أن تستفيق فيك مشاعر قوميَّة غيَّبتها ربَّما حبَّة «بالتان» ماركسيَّة، فاجأتك على حين غرَّة، فأوصلتك خطأً إلى الجامع العمري في درعا، تأثُّراً بالكاريزما الخارقة للشَّيخ أحمد الصَّياصنة، وطلَّته البهيَّة.
لكنِّي أريد أن تعيد قراءة مقالك الذي توجَّهت فيه إلى أمير قطر، وتسائل نفسك: كم ينطَبق عليك من مآخذك على أمير قطر؟ وبينكما الكثير من الشَّبه.
وهل حقَّاً تعتقد أنت أو سلامة كيلة أو أسعد أبو خليل، أنَّ الثُّوار الغيفاريين في تلبيسة، وبابا عمرو، وفايتكونغ درعا ونوى، وخلفاء غاندي في السكنتوري والصليبة، وحمامات السَّلام في دوما والمعضَّميَّة، وغيرهم من حمَلة أغصان الزَّيتون، ممَّن يمارسون قتل رجال الأمن والمواطنين الأبرياء، يقرأون مقالاتكم أو يفهمون مصطلحاتكم المفرطة في الرَّمزيَّة السريالية والتَّقدُّميَّة التَّنويريَّة؟ هذا إذا وجدوا وقتاً بين جولة قتل وأخرى، إلَّا لابتلاع البالتان.
إذا كنتم تعتقدون ذلك فأنتم واهمون، لأنَّكم مهما استحوذتم على كمٍّ معرفيّ ضخم ومتعاظم فلن تصلوا إلى الحدّ الأدنى من توجُّهاتهم السَّلفيَّة العملاقة، إلَّا إذا أنزلوا إليكم كيلةً سليمة تنقلكم نقلاً أميناً كالمنجنيق الذي وُضع فيه إبراهيم الخليل فصارت النار عليه برداً وسلاماً حتى صار أسعد البشر، بجدُّولته المربوطة بمشاريع مجهولة الاسم، معروفة الارتباط والانتماء.
أنا أتمنَّى أن يطول بكم العمر لتسمعوا اللَّعنة بآذانكم على من تخاذل عن التَّصدِّي لاتفاقيَّة سايكس ـــــ بيكو الجديدة، وقبِلها، فضلاً عمَّن ساعدها ومهَّد لها سبل القيامة، بالدِّعاية المسمومة التي أدَّت إلى إبدال الدُّول العربيَّة، إذا نجحت خطط الاستعمار الجديد، بدويلات طوائف جعلت من وطننا العربي أندلساً جديدة.
لا أخفيك أيها العزيز إبراهيم، أنَّي، وقد كشفتَ، وإن بخجل، عن وجه أفزعني ونفَّرني، إن لم أقل أكثر من ذلك، صرتُ في خشية من أن أفتح جريدة الأخبار يوماً لأقرأ مقالاً مُوقَّعاً باسمك، لا باسم أسعد أبو خليل، وعنوانه: «حزب الله والاحتضار الطَّويل».
عندئذ لن يكون هناك من يخجل من نشره باعتذار مريب من القرَّاء، مذيَّل باسم الموقِع المنشور عليه بالكامل، ليغري المتصفِّح أكثر بقراءته. فأجد نفسي أتساءل، وقد اختلطت عليّ الأمور، وتشوَّشت ذاكرتي: أأنتما من كنتما تملآن الشاشات صخباً وضجيجاً أيَّام اغتيال الحريري والمحكمة الدوليَّة؟ وهل أنتما من كنتما تتحدَّيان سعد الحريري وجماعة الرابع عشر من آذار؟
العزيز إبراهيم... إن كنت تتمنّى غداً مشرقاً لسوريا، كما نتمنى، فليس بالإخوان المسلمين، وخدَّام، ومن لفَّ لفَّهم تتحقَّق الأمنيات.
بل بمن يحمل همَّ سوريا بكلّ شهقة وزفرة. وإن كنت ترنو إلى نهضة اقتصاديَّة تحسِّن الوضع المعيشيّ للمواطن السُّوريّ، فلن يكون ذلك بالفكر السَّلفيّ المتحجِّر، بل بمن تضاعفت الأجور على يديه خمس مرَّات، خلال عشر سنوات. وإن كنت تتطلَّع إلى وطن مفعم بالحريَّة كما الهواء، فلن تجد ضالَّتك بمن قيَّد نفسه بالعمالة والمأجوريَّة لأعداء الحريَّة إقليمياً وعالميّاً، بل بمن رضع مع حليب أمِّه إكسير الصُّمود والممانعة.
التَّنظير سهلٌ والتَّطبيق حتماً ليس بتلك السُّهولة. فارحمونا من تنظيراتكم التي لا تختلف كثيراً عن تنظيرات هيثم المالح وهيثم منَّاع وعبد الباري عطوان وزمرة النَّاشطين الحقوقيّين والشُّهود العميان! ولا تكونوا أبواقاً مغرضةً.
ختاماً، باسمي وباسم كلّ فرد من أفراد شعب سوريا أقول لكم، مقتبساً من قول السِّيد حسن نصر الله عندما خاطب الدُّول العربيَّة، إبَّان حرب تمُّوز: لا نريد مساعدتكم، كلُّ ما نطلبه منكم: أن لا تتآمروا علينا...
وكفانا تنظيراً، فأبناؤنا وإخوتنا هم الذين يُقتَلون، وأنتم تنظرون وتنظِّرون وربَّما تشمتون.

عبد اللّه المحمد
(سوريا)