«الشعب يريد إنهاء الانقسام». هذا هو عنوان الحملة الشعبية الفلسطينية التي تواجهها القيادة بالقمع، هي التي يبدو أنّها ليست على موجة واحدة مع شارعها. الشارع في وادٍ والقيادة في وادٍ آخر، وما الحراك الأخير على ملف المصالحة، سواء بمبادرة إسماعيل هنية أو محمود عباس، أو زيارة محمود الزهّار إلى القاهرة، إلّا إمرار الوقت، في ظلّ غياب أي اهتمام إقليمي أو دولي بالملف الفلسطيني. محمود الزهّار أعلن من القاهرة قبل يومين أنّ هناك اتفاقاً على كلّ النقاط التي ستُتّخذ في اتجاه فتح والسلطة الفلسطينية في رام الله للوصول الى المصالحة. كلام يأتي في سياق المبادرات الكثيرة التي راجت في الأيام الماضية، من استعداد محمود عباس لزيارة غزة، إلى إعلان إسماعيل هنية إمكان لقاء محمود عبّاس في أي مكان لبحث إنهاء الانقسام.
لكنّ المشكلة أنّ المبادرات تفتقر إلى الجدية، ولا سيما أنّها تُرفَق بشروط وشروط مضادة، وأساساً هي تصب في خانة لعبة الأوراق السياسية بين هذا الطرف أو ذاك. فمحمود عباس يرفع ورقة المصالحة في وجه بنيامين نتنياهو، فيما تعلن «حماس» استعدادها لإنهاء الانقسام لاحتواء غضبة الشارع في قطاع غزّة، الذي بات على شفير الخروج عن السيطرة الأمنية للحركة الإسلاميّة الحاكمة. وهو ما فعله أبو مازن أيضاً بمبادرته، حين رمى كرة مسؤولية الانقسام في ملعب «حماس»، للهروب من الضغط الشعبي.
لعبة أوراق وتبادل كرات لا تحمل معطيات تطبيق، على الأقل حالياً، على أرض الواقع. وكلام الزهار من القاهرة لا يزال بعيداً عن الحقيقة، ولا سيما أنّ أيّ اتفاق في المرحلة المقبلة يحتاج إلى جهة ضامنة للتنفيذ، وهي جهة لا تزال مفقودة، وليس ثمّة أفق لظهورها في القريب العاجل. مصر، الراعية الأساسية لعملية إنهاء الانقسام، لا تزال في طور إعادة بناء مجمل سياستها الخارجية، إضافةً إلى أنّ المرحلة الانتقالية قد لا تسمح للحكومة المصرية بتعهدات طويلة الأجل. وفي الوقت الحالي، لا بديل واضحاً للدور المصري، وخصوصاً أنّ كلّ من وضع يده سابقاً في ملف المصالحة، مشغول بنفسه في ظل الربيع العربي المتمدد. اليمن كان له مبادرة سابقاً، لكن علي عبد الله صالح مشغول حالياً بمبادرات تأمين خروج مشرّف من السلطة. سوريا كانت لاعباً أساسيّاً في العملية، وكانت تُرمى عليها تهم التعطيل، لكن دمشق اليوم أيضاً يؤرقها وصول مدّ الانتفاضات العربية إلى حدودها، وبالتالي انشغالها بالوضع الداخلي قد يحول دون أدائها دوراً في الملف الفلسطيني، إذا نحّينا جانباً إمكان قبول «فتح» أو رفضها للدور السوري. أما قطر، وهي أيضاً التي كانت ناشطة على الملف الفلسطيني، فتبدو اليوم منخرطة في الوضع الليبي وفي متابعة الثورات العربية، ولا سيما تحصين الخليج من شرارة الانتفاضات.
هذا الواقع تدركه الحركتان القائمتان على الشأن الفلسطيني، ومنه تبنع مبادراتهما غير الجدية، التي تنمّ أساساً عن عدم رغبة في إتمام المصالحة إلى حين استبيان الوضع الإقليمي والدولي، وانتظار ما سترسو عليه الهبّات الشعبية وما بعدها، وخصوصاً أنّ المصالحة ليست ملفاً داخليّاً فقط، بقدر ما هي مرتبطة بمحاور إقليمية ودولية.
قد يكون الوضع المصري نموذجاً، فحركة «حماس» تفضّل الانتظار إلى أن تتضح الصورة، ولا سيما تبيان قوّة الإخوان المسلمين في المعادلة التي ستتبلور بعد الانتخابات المقررة في نهاية الفترة الانتقالية. انتخابات من المقرر أن تخلق فرزاً جديداً لموازين القوى في القاهرة، وبالتالي في الأراضي الفلسطينية، إذا صحّت ترقبّات «حماس» بأنّ القوة الإسلامية ستحظى بالغالبية.
وضع «فتح» في رام الله لا يختلف كثيراً عما هو عليه في قطاع غزّة، لكنّ الانتظار مختلف. فالرهان الفتحاوي هو على عدم التغيير في جسم النظام المصري ليقتصر التبديل على الرأس، في حال بقاء الجيش ممسكاً بالمفاصل المحورية للعملية السياسية من خلف الستار.
وفي الحالتين، فإنّ خيار «فتح» و«حماس» هو الانتظار وإمرار الوقت بالمبادرات، وقمع الأصوات التي ستردّد «الشعب يريد إنهاء الانقسام». ولا سيما أنّ «القيادة لا تريد».