يبدو أن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان سيقع، لا محالة. لن تسعفه تصريحاته العنصرية ضد العرب ولا رطانته الفاشيّة. ليبرمان الذي قاد حملته الانتخابية تحت شعار «لا مواطنة دون ولاء» وطالب بترحيل العرب الإسرائيليين المشتبه في تعاطفهم مع غزة، في وضع لا يحسد عليه. وضعه القانوني معقّد جداً. كيف سيخرج من ورطته؟ هل سيطالب مجدداً بقصف السد العالي بالقنابل النووية من أجل تركيع مصر؟ الدولة التي يدّعي القتال من أجلها تقول له على لسان جهازها القضائي «أنت مجرد مافيوزي، وإذا نجحنا في تقديم الأدلة الموثّقة فإنّك ستتابع كذبك المرضي وخدماتك الجليلة للشعب الإسرائيلي من السجن». التهم الموجهة إلى وزير الخارجية الإسرائيلي تشمل عرقلة سير العدالة، والاحتيال، وخيانة الثقة، والتحرش بالشهود ومضايقتهم، وغسل الأموال، لكن حتى لحظة كتابة هذه السطور يبدو أنّ تهمة الرشوة لن تصمد. أبرز العقبات في عملية جمع الأدلة المتعلقة بالرشوة ناتجة من صعوبة استجواب الشهود في الخارج أو إلزام الشهود بالحضور الى إسرائيل للإدلاء بشهاداتهم. استخدم ليبرمان نفوذه السياسي، وعلاقاته، لإعاقة التحقيق بكلّ طريقة ممكنة. الشكوك في إساءة استخدامه للسلطة، ونشاطاته المخالفة للقانون، تعود إلى عشر سنوات خلت، لكن التحقيق بدأ في أبريل/ نيسان 2006، ويستمر حتى الساعة. في أغسطس/ آب 2009، انتهى التحقيق عملياً، وكانت التوصية بتقديم لائحة اتهام ضد ليبرمان، لكنّ المدعي العام للدولة، موشيه لادور، طلب إجراء تحقيق إضافي. استمرت النقاشات بين لادور والنائب العام في حينها ميني مزوز، الذي كان متردداً في اتخاذ قرار بشأن القضية قبل نهاية ولايته في يناير/ كانون الثاني 2010، ويرغب في ترك الملف لخلفه، حتى لا يُتهم بالتعجل أو التحيّز ضد ليبرمان. النائب العام الحالي، يهودا فينشتين، تابع العمل على الملف مع القسم الاقتصادي التابع للمدعي العام للدولة، وقرر تبني معظم التهم الموجهة إلى ليبرمان.
حتى لو سقطت تهمة الرشوة نهائياً، وهي تهمة خطيرة عقوبتها السجن سبع سنوات، تبقى تهمة خيانة الثقة، وهي إدانة بالغة ومحمّلة بالمعاني وكفيلة بإطاحة أي سياسي منتخب أو موظف حكومي رفيع. عقوبة خيانة الثقة هي السجن ثلاث سنوات، والتهمة ثابتة على ليبرمان وعلى سفير إسرائيل السابق في بيلاروسيا زئيف بن ارييه. سلّم بن ارييه ليبرمان، خلسةً، صورة عن وثيقة سرية مرتبطة بتحقيق يتعرض له وزير الخارجية في أكتوبر/ تشرين الأول 2008، أثناء زيارة الأخير لبلاروسيا. وتتضمّن الوثيقة طلباً من وزارة العدل الإسرائيلية، الى وزارة العدل في بيلاروسيا، التحقيق في حسابات مصرفية واستجواب عدد من الأشخاص على علاقة بليبرمان. واستفاد وزير الخارجية الإسرائيلي استفادة كبيرة من هذا التسريب، إذ مكّنه من معرفة الأسئلة التي ستطرح عليه في التحقيق سلفاً، ومعرفة طريقة تفكير المحققين، ومعرفة استراتيجيتهم.
لكنّ اللعبة انكشفت، ولم يعد أمام ليبرمان إلا الزعم بأنّه ضحية مكائد أخصامه السياسيين. وهو حاول سابقاً التأثير في مجرى التحقيق، من خلال تقديم التماس إلى المحكمة العليا، لإلزام النائب العام والمدعي العام باتهامه فوراً أو التخلي عن القضية، بحجة أنّ استمرار التحقيق يؤثر في عمله كسياسي ورجل دولة، لكن هذه الحيلة القانونية لم تفلح أيضاً، فقد بيّن المدعي العام أنّ التحقيق يتقدم بناءً على معطيات جديدة. من أهم هذه المعطيات ورود أدلة على حصول ليبرمان على نحو 2,5 مليون دولار على شكل تبرعات غير قانونية لحملته الانتخابية من خلال حسابات مصرفية فتحتها ابنته في قبرص. ومن أبرز الممولين، رجال أعمال كمارت شلاف ومايكل تشيروني وشركات أجنبية تسعى إلى تسهيل مصالحها في إسرائيل.
زبدة القول إنّ أفيغدور ليبرمان حصان خاسر، لكن ما هي الترجمة السياسية لهذه الخسارة القضائية؟ حصل ليبرمان على 12.5 من الأصوات في انتخابات عام 2009. وتقول النكتة في إسرائيل إنّ المهاجرين الروس الصهاينة صوّتوا لليبرمان ليجعلهم يشعرون للمرة الأولى كمواطنين حقيقيين في إسرائيل، فكانت النتيجة أنّه جعل من باقي المواطنين الإسرائيليين يشعرون كأنهم يعيشون في روسيا، في إشارة الى فساده الصارخ الذي يضاهي فساد المافيات الروسية التي نشأت عقب انهيار الاتحاد السوفياتي. أصوات الروس التي حصل عليها ليبرمان مكّنته من إغلاق الباب، بإحكام، أمام دخول كاديما الى الحكومة الإسرائيلية، ومن فرض رقابة صارمة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ما يتعلق بالمفاوضات مع الفلسطينيين. لقد كان ليبرمان يتربص بنتنياهو، ويتحين الفرصة للانقضاض عليه وتطويب نفسه ملكاً لليمين الصهيوني والمؤتمن على المشروع القومي الصهيوني، في صيغته الأكثر نقاوةً وعنصرية. كلّ ما كان ينتظره هو أن يتمادى نتنياهو بعض الشيء في مجاملة الأميركيين. أما وقد أصبحت استقالة ليبرمان مسألة وقت فقط، فسيتّسع هامش المناورة أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي سيدعو كاديما إلى الاشتراك في الحكومة. دخول كاديما سيسهّل على نتنياهو الاستمرار في مسرحية المفاوضات مع الفلسطينيين، وسيمكّن الإدارة الأميركية من تكرار مزاعمها «السينيكية» بأنّ الحليف الإسرائيلي ملتزم بعملية السلام.
* كاتب لبناني