هناك أسباب عدّة تدفعني لأن أصوت بـ«نعم» للتعديلات الدستورية يوم 19/3/2011.أولاً، لإعداد دستور جديد لمصر، يليق بها وينهي عهداً استمر قرابة ستين عاماً دون حياة دستورية حقيقية.
فالتعديلات المقترحة تلزم مجلسي الشعب والشورى بانتخاب جمعية تأسيسية خلال ستة أشهر. جمعية تضع دستوراً جديداً خلال ستة أشهر أخرى، ثم يجري استفتاء الشعب عليه خلال 15 يوماً. لا آلية أخرى واضحة ومحددة لكلّ الراغبين في إلغاء الدستور الحالي وإعداد دستور جديد. يجب أن يعكس الدستور الجديد واقعاً سياسياً ومجتمعياً جديداً، وألّا يُفرَض على المصريين دون حراك شعبي وحوار مجتمعي ونشاط سياسي. لذلك كانت الانتخابات البرلمانية هي الفرصة لبلورة ذلك.
إنّ المطالبين بإعلان دستوري مؤقت يتناسون أنّ ذلك حدث بالفعل، وعُلِّق فيه العمل بأحكام الدستور دون إلغائه، تمهيداً للانتخابات التي ستؤدي إلى إعداد دستور جديد تماماً، حتى لا يحدث فراغ دستوري فيُطعَن بكلّ هذه المرحلة، أو ندخل في فوضى عارمة.
ثانياً، لقطع الطريق على الثورة المضادة. ففي ظل تعدد الرؤى للانتقال الديموقراطي، ستستمر محاولات الثورة المضادة التي جربت كلّ أوراقها حتى الآن، وكان آخرها أحداث الفتنة الطائفية في قرية «صول» بأطفيح وتورط فيها كثيرون، بحسن أو سوء نية، فانتقلت إلى القاهرة.
على كلّ من يطالبون اليوم بفرصة لبناء أحزابهم وتجمعاتهم السياسية أن يدركوا أنّ هذا البناء يجب أن يتواكب مع استمرار التحالف الثوري على القضايا المتفق عليها، والتنافس في ما هو مختلف فيه. كما يجب أن يعرفوا أيضاًَ أنّ الأفضل لهم أن يبدأوا بناء أنفسهم وسط الجماهير وبنواب منتخبين بإرادة شعبية. فإذا انتقلنا سريعاً من وحدة وطنية عظيمة إلى مناخ تنافسي كامل، نعطي الفرصة للثورة المضادة وفلول الحزب الوطني لإفساد ذات البين وزرع المزيد من الفتن. لذلك علينا أن نصل إلى اتفاق وطني في ظل إعلان الإخوان المسلمين عدم تقدمهم بمرشحين على كلّ المقاعد، وأنّهم لن يسعوا إلى الحصول على أغلبية في البرلمان، وأنّهم يعتمدون استراتيجيتهم الحالية «مشاركة لا مغالبة».
ثالثاً، سأصوّت بنعم لمنع ظهور فرعون جديد بصلاحيات مطلقة. فالتعديلات الدستورية المقترحة هي السبيل الفُضلى لذلك. فانتخاب مجلس شعب قبل الرئيس، يعني وجود رقابة على السلطة التنفيذية وإعداد دستور جديد يقلص صلاحيات الرئيس، وتُوَزَّع فيه السلطة بين الرئاسة والحكومة والبرلمان. أما انتخاب رئيس دون برلمان، وقبله، فمعناه أن ننتظر شهوراً أو سنوات، حتى إعداد دستور جديد. كذلك إنّ فكرة تسليم البلاد إلى مجلس رئاسي مختلط، هي فكرة هلامية؛ لأنّ إقرارها يعنى فتح أبواب تساؤلات عديدة: من الذي يختار أعضاء المجلس، وما هي صلاحياتهم؟ وماذا يحدث عند اختلافهم؟ وإذا كان هناك ممثل للجيش، فسيكون صاحب القدرة على تنفيذ ما يريده الجيش عند الاختلاف، لأنّه صاحب السلطة الحقيقية على الأرض.
مشكلة الذين يقترحون أفكاراً عديدة أنّهم ينسون أنّ لمصر تاريخها تجاربها، ويريدون نقل تجارب بلاد أخرى بالاستنساخ الذى قد يضر ولا ينفع. الإعلان الدستوري الذي يقترحه البعض من المخلصين، سيضطر في غياب البرلمان، إلى إعطاء الرئيس حق تأليف الحكومة منفرداً، وحق سن التشريعات منفرداً. الطريقة المقترحة لتقييد سلطة الرئيس المنتخب هي ثورة الشعب عليه عندما ينحرف بالسلطة، ما يعني استمرار حالة الثوران دون انقطاع، وتعطيل عجلة الاقتصاد والحياة. وجود رئيس جديد دون برلمان سابق عليه، يعني استمرار الجيش في مراقبته، حتى لا ينحرف. لكنّ الرئيس هو في الوقت نفسه القائد الأعلى للقوات المسلحة ما يضع البلاد في مأزق، وهو التصور ذاته مع المجلس الرئاسي المقترح.
يدير اليوم البلاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، مع حكومة انتقالية جاءت بإرادة شعبية مع رقابة شعبية عامة إلى حين انتخابات برلمانية تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح. سيكون لدينا برلمان متوازن، تتمتع فيه القوى الثورية بالأغلبية المطلقة، إذا نجحت في رصّ جهودها معاً. سيخرج من هذا البرلمان حكومة جديدة، أو تستمر حكومة الدكتور عصام شرف، إذا نجحت في العبور بالبلاد خلال الأشهر المقبلة.
رابعاً، سأصوّت من أجل حماية الأمن القومي المصري ونقل السلطة إلى الشعب. فمهمة الجيش الرئيسية، كما حددها الدستور المصري في المادة 180 واضحة ومحددة: «الدولة وحدها هي التي تنشئ القوات المسلحة، وهي ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها». كذلك تقول المادة 3: «السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها، ويصون الوحدة الوطنية على الوجه المبيّن في الدستور». إذاً نحن في حاجة ملحة إلى أمرين: أولهما، عودة القوات المسلحة إلى دورها الدستوري في حماية البلاد. هذا الدور مطلوب جداً اليوم مع التطورات الخطيرة التي تحدث على كلّ حدود مصر. ففي الغرب اندلعت حرب أهلية في ليبيا بعد ثورتها، وفي الجنوب سينفصل السودان رسمياً في يوليو/ تموز، وتتهدد مصر مخاطر عظيمة من دول حوض النيل. كذلك إنّ العدو الصهيوني الذي كان من أكبر الخاسرين نتيجة ثورة مصر وليبيا، موجود في الشرق. وخسر هذا العدو حليفين استراتيجيتين، هما مبارك الذي كان كنزاً استراتيجياً، كما وصفه أحد أكبر رجال الموساد، والقذافي الذي كان يموّل الحروب الانفصالية في جنوب السودان وغيرها من دول أفريقيا لمصلحة العدو الصهيوني.
أما الشعب صاحب السيادة فيجب أن تنتقل إليه السلطة وأن يمارسها على الوجه المبيّن في الدستور. لذلك لا يجوز أن يتحدث البعض عن إسقاط الدستور، بدلاً من تعديله مؤقتاً إلى حين إجراء انتخابات حرّة ونزيهة، حتى يُعَدّ دستور جديد يترجم الحالة الثورية بعد استقرار الأوضاع.
لكلّ هذه الأسباب أدعو المصريين جميعاً إلى التصويت بكثافة في الاستفتاء المحدد له يوم 19 آذار الجاري، وأن يقولوا «نعم» قوية لتعديلات دستورية طلبناها بأنفسنا ووقّع بعضَها قرابة مليون مواطن.
علينا أن نحمي الانتخابات من البلطجية وفلول الحزب. علينا أن نحميها بأرواحنا وبجهودنا، إذا غاب الأمن، كما حمينا الثورة عندما حاول بلطجية النظام والأمن والحزب اغتيال الحلم يوم الثاني من فبراير/ شباط الماضي.
لماذا لا نُوقف هذا الحزب عن التآمر، كما نجحنا في فضح جهاز أمن الدولة ووقفه عن التآمر، وأصبح كبار قياداته خلف القضبان؟ لماذا لا نتحرك، من الآن، لوضع حدّ لهذا الحزب الفاسد المفسد، والمتآمرين فيه، وإخراجهم من المقار والمكاتب التي اغتصبوها في غيبة الشعب؟ لماذا لا يتقدم الجميع ببلاغات ضدهم، بسبب إفساد الحياة السياسية، ليُجلَبوا إلى العدالة الناجزة، بدلاً من الصراخ ضدهم كلّ يوم على صفحات الجرائد وعلى شاشات التليفزيون، من دون تحرك جاد لوقفهم عند حدهم؟

* قيادي في جماعة الإخوان المسلمين في مصر