لا بدّ من الاعتذار لوزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال الياس المرّ. فحين نشرت «الأخبار» وثيقتَيْ «ويكيليكس» اللتين تبيّنان نوع الأحاديث التي كانت تدور بينه وبين السفراء الأميركيّين في لبنان، هوجم المرّ عن غير حق. فقد عرف المواطنون آنذاك أنّ وزير دفاعهم يتبرّع بإعطاء معلومات عن الجيش وتركيبته لسفارة أجنبيّة، متباهياً بأنّ معلومات كهذه لن تتمكّن السفارة من الحصول عليها من الجيش نفسه. ثمّ يشرح وجهة نظره بالنسبة إلى مهمّات الجيش والدفاع عن الوطن، التي بدا أنّها لا تمتّ إلى الدفاع بصلة، بل تحمل حقداً على بعض الطوائف وعلى اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان.
الاعتذار واجب من وزير الدفاع، لأنّ ما فعله وقاله يبدو أنّه ليس خاصّاً به، ولم يأتِ من بنات أفكاره، بل كان جزءاً من التوصيف الوظيفيّ لوزراء تلك المرحلة. فوفقاً للوثيقتين اللتين نشرتهما حديثاً صحيفة «أفتن بوستن» النروجيّة (http://www.aftenposten.no/spesial/wikileaksdokumenter/article4025304.ece) و(http://www.aftenposten.no/spesial/wikileaksdokumenter/article4025513.ece)، يتبيّن أنّ وزير الإعلام طارق متري كان يفعل الأمر نفسه ضمن نطاق عمل وزارته.
ووفقاً للوثيقتين المذكورتين، يستفيض متري في شرح ما يجري في مجلس الوزراء من نقاشات، يشي بوزراء المعارضة السابقة الذين يعرقلون عمل الحكومة، يشرح خطّة عمله لـ«تأديب» الإعلام... ثمّ يقدّم مطالعته عن الوضع الإعلامي، مسدياً النصح إلى السفارة الأميركية بألّا تركّز كثيراً على قناة «المنار»، فثمّة أمكنة أخرى يرمي فيها حزب اللّه «زبالته»، وفقاً لتعبير وزير الإعلام اللبناني الذي يشكو للسفيرة حرمانه حقيبة الثقافة. وهذه الأمكنة الأخرى ليست إلا وسائل إعلاميّة تقول السفيرة إنّ وزير الإعلام يبدي قرفه منها.
لا ندري إن كانت دُرر متري جاءت في معرض النُّصح أو التحريض. فالمُخبرون الصغار يمرّرون أحياناً معلومات لأسيادهم عن خصوم، عسى ولعلّ يصيبهم الأذى.
ماذا تخبّئ لنا «ويكيليكس» أيضاً؟ فلننتظر. لكن ما نعرفه حتّى الآن هو أنّ الأعوام السابقة لم تترك لنا إلا حطام بلاد: وزير دفاع لا يعنيه الدفاع عن البلد، ومشغول بتحطيم صورة الجيش داخل أروقة السفارة الأميركيّة. ووزير إعلام يعد السفارة نفسها بتأديب إعلامه، ومشغول بشتم وسائل إعلام بلده.
... أمّا «الأخبار» التي خصّها متري بما لا يليق إلا بأخلاقيّاته، فلا تضيرها شتائم مثقّفي البلاط، وهي لا تنتظر شهادات المتسكّعين على أبواب السفارات.