في اليوم نفسه الذي كانت تُرجَّح فيه التوقّعات بشأن دخول لبنان في أزمة مفتوحة... وفي اليوم نفسه الذي كان وزيرا الخارجيّة القطري والتركي يقودان فيه مفاوضات شاقّة من أجل التمكّن من تجاوز أزمة استقالة وزراء المعارضة... وفي اليوم نفسه الذي أعلن فيه المدّعي العام الدولي دانيال بلمار أنّ الأدلّة التي يتضمّنها قراره الاتهامي هي ذات «قوّة وصدقية»... وفي اليوم نفسه الذي انتشرت فيه مجموعات من الشباب بلباس موحّد في أحياء مختلفة من بيروت، لتقدّم صورة مصغّرة جدّاً عمّا يمكن أن يكون عليه ردّ فعل حزب اللّه على أيّ تفاعل لبناني مع قرار يوجّه إلى الحزب أصابع الاتّهام في قضيّة اغتيال الرئيس رفيق الحريري... وفي اليوم نفسه الذي دبّ الذعر فيه بالأهالي، فتهافتوا إلى مدارس العاصمة ليعيدوا أبناءهم إلى البيت... في هذا اليوم بالذات، قرّر سعد الحريري أن يتسلّى.هي ليست تسلية بالمعنى الحقيقي للكلمة. لكنّها نوع من الترف أو من تطبيق علاقة الحاكم بالسلطة كما يفهمها الحريري. فللمرّة العاشرة ربّما، يجري تركيب سيناريو من الأكاذيب التي لا تنطلي على أحد، للحفاظ على منابع النهب في وزارة الاتصالات. وبخفّة لا تُحتمل حقاً، بدأت أبواق الحريري الإعلاميّة تسوّق لمصطلح «ميليشيات التيّار الوطني الحرّ». أمّا قائد الحملة المنتدَب للدفاع عن المصلحة العامّة، فليس إلا غازي يوسف، النائب الذي يجمع خلافاً للقانون بين موقعه البرلماني ومنصبه كرئيس مجلس إدارة شركة مختلطة.
هذا النوع من التسلية مسموح عادةً في اللعبة السياسية اللبنانية. لكنّه غير مألوف في ظروف كالتي تمرّ بها البلاد. وحدها ليلى طرابلسي تفوّقت على الحريري في ولعها بهذا النوع من الخفّة. فحين كان نظام زين العابدين بن علي يتهاوى في تونس، اتّجهت قرينته ليلى إلى المصرف المركزي التونسي وطلبت مجموعة من سبائك الذهب كي تهرّبها معها إلى خارج البلاد. هذا ما تقوله رواية استخباريّة فرنسيّة تجزم بأنّ ما سرقته السيّدة ليلى توازي قيمته ستّين مليون دولار.
في وزارة الاتصالات، ما من سبائك ذهب طبعاً. لكنّها الوزارة التي تدرّ على الدولة أرباحاً سنويّة هائلة يراد تجييرها إلى القطاع الخاص، وهذا ليس إلا الاسم الحَرَكيّ لجحا وأهل بيته. فهل كان الخلاف على إطلاق يد جحا في نهب السبائك، هو ما جعله يتردّد في إنقاذ التسوية؟