لعلّ إحدى أسوأ مزايا 14 آذار ادّعاؤها ذات مرّة احتكار الوطنيّة اللبنانيّة، والخلط بين ما تؤمن به وما تفعله وبين ما يريده اللبنانيّون. هكذا أفرط هذا الفريق في ابتذال شعار «الوحدة الوطنيّة»، وصولاً إلى تصوير نفسه أنّه يمثّل الطوائف اللبنانيّة كافّة في الوقت الذي كانت فيه الطائفة الأكثر عدداً تتكتّل حول حزب اللّه بنحو غير مسبوق. لم تنبع المسألة طبعاً من سوء التقدير، بل من مشروع هيمنة يحلّ مكان السيطرة السوريّة. وككلّ مشاريع الهيمنة، لا بدّ لفئة أن تبقى خارجه. ومثل هذه الفئات في لبنان قد تضمّ مهمّشين كثراً، لكنّها ينبغي أن تضمّ أوّلاً طائفةً ما. وهذا ما حصل فعلاً. لا بدّ من التذكير بذلك في ظلّ مخاوف من استعادة هذا السيناريو مقلوباً. فسعد الحريري، كما هو معروف، لم يعد زعيماً للأكثريّة النيابيّة، لكنّه لا يزال زعيم الأكثريّة الكبرى داخل طائفته. لا يعني ذلك أنّ ما من أحد سواه يمكنه ترؤّس الحكومة، لكنّه يعني أنّ على المعارضة الانتباه جيّداً كي لا تحوّل خروج الحريري من الحكم خروجاً لطائفته منه، وخصوصاً أنّ قوى 8 آذار لا تملك خطاباً يمكن استخدامه لفرض هيمنة بالمعنى الحقيقي للكلمة. فهذه القوى، حتّى الآن، بنت لحمتها على رفض هيمنة 14 آذار وليس على صورة عن لبنان يمكن العمل من أجلها، أو على الأقلّ الترويج لها. فقد يكون سهلاً فضح الشعارات الجوفاء لـ14 آذار حول بناء الدولة والاهتمام بشؤون الناس والحرية والسيادة والاستقلال. لكنّ السهولة نفسها لا تنطبق على محاولة صياغة خطاب متماسك للمعارضة. «لبنان المقاوم» (حاف) لا يكفي، وإن طُعِّم بخرافات الطبقة الوسطى عن مكافحة الفساد.
لقد شاء سعد الحريري أن يمضي في مغامرة أميركيّة جديدة. يمكن المعارضة أن تقاوم إغراءات مغامرة مقابلة، فتنتج حكومة لا تستفزّ تشكيلتها الخصوم، ولا يبدو إعلانها انقلابيّاً. حتّى فكّ الارتباط بالمحكمة الدوليّة يمكن أن يكون على قاعدة إبعاد كأس مرّة عن لبنان، لا على قاعدة النكايات السياسيّة.
أمّا رئيس الجمهوريّة، فيرجى ألّا يزعجه أحد. إنّه مشغول باستقبال أمير موناكو.