إنّه الحائط المسدود إذاً. ورغم ابتسامات الشماتة التي تجد أفواهاً لها لدى الأطراف كافّة، فإنّ الحائط يبدو مسدوداً في وجه جميع اللبنانيّين. ليس ما يحدث فرصةً لأحد. ليست فرصةً للاستئثار بالحكم من 14 آذار بعد انسحاب وزراء المعارضة السابقة من الحكومة، وليست فرصةً للاستئثار بالحكم من 8 آذار إذا ما خاضت مغامرة قلب الطاولة. المؤكّد أنّنا نعامَل مرّة أخرى كفئران مختبر. يريد السيّد الأميركيّ أن يجرّب. ونحن ساحة مثاليّة للتجريب. نكاد نخترع تناقضاتنا كلّ يوم. دخلنا المسرح التجريبيّ طوال حرب أهليّة كنّا أبطالها وكومبارسها. وجرّبوا بنا في الطائف. وجرّبوا في حرب تمّوز. وها هم يجرّبون العدالة الدوليّة. والتجربة هذه المرّة قابلة للتعميم. فالفتن الطائفيّة تملأ الفراغ في كلّ مكان من الأرض العربيّة الواسعة.
والسيّد الأميركي من هواة النوع. شبع من أفلام الوسترن. حاول الأخوان كُوِين إعادة صياغتها وتقديمها بقالب جديد. لكن حتّى فيلمهما الذي وصل إلى الصالات الأميركيّة قبل أقلّ من شهر، لم يشفِ الغليل. فالفكاهة العبثيّة لم تعد لعبة الأمبراطور المفضّلة. ربّما كان هذا النوع من الفكاهة يستهوي جورج بوش: الفوضى الخلاقة، الشرق الأوسط الجديد، الديموقراطيّة فوق الأشلاء، التحدّث إلى اللّه، التلعثم فنّاً في قيادة الحروب... أمّا مع باراك أوباما، فالعبث يأتي عارياً بلا فكاهة ولا طرب: نعم نستطيع (Yes we can)... فلا نستطيع شيئاً. التبشير بالتغيير من أجل ألا يتغيّر شيء. إقفال غوانتانامو من دون أن يُقفَل. الاعتراض على الحروب لإعادة شنّها...
يروق هذا النوع من العبث بعض اللبنانيّين. هم أيضاً خاضوا الأهوال من أجل التغيير حتّى يبقى كلّ شيء على حاله. وها هم يطربون اليوم لحصاد عمرهم الوحيد: ارتفاع وتيرة العصبيّات، فيما يلهث الآخرون ـــــ كلّ الآخرين ـــــ لتقاسم المنطقة والاقتراع على بلدانها. برافو مستر أوباما. لا تأمن حتّى لحلفائك «المعتدلين» في المنطقة. تعالَ وخُضْ معاركك بنفسك تماماً كما فعل سلفك. ونحن نقدّم لك بلادنا ورقةً في مهبّ الريح. جِد لها مكاناً على جدول أعمالك. قدّمها هديّة لإسرائيل. استخدمْها لتفاوض إيران. أو، بكلّ بساطة، أحرقْها... أحرقْها... أحرقْها.