السين ـــــ سين تسيطر على الفضاء العام. الشَّلل ضارب بانتظار جلاء حقيقة ما يجري بين القيادتين السورية والسعودية. وإذا كان التعاطي مع قرارات المحكمة الدولية بات مصيره مرتبطاً بما يجري خلف البحار، فإنّ ذلك ينبغي ألا يحجب حقيقة أنّ البلاد كبقعة جغرافيّة وبشر وعادات وأمور معيشيّة ليست بالجمود الذي يفترضه الواقع السياسي. فثمّة مؤشّرات اجتماعيّة كثيرة في طور الصعود أو الهبوط. وثمّة معاناة يوميّة في السوبرماركت وفي المدرسة وعلى الطرقات.من المفيد إذاً التحرّر قليلاً من «هيمنة» السين ـــــ سين والتفكير في مصير البلاد وأهلها ما دام الزمنُ موسمَ مفاوضات بشأن «لبنان الجديد» وقد يطلع «لحم بعجين» فعلاً.
فلا بدّ من التأمّل قليلاً في حقيقة لا لبس فيها، وهي أنّ أجور العمّال والموظّفين تنخفض وفقاً لسعر الليرة الحقيقي، أي إنّ القدرة الشرائية لهذه الفئات تتقلّص فيما تستمرّ أسعار العقارات بالارتفاع الجنونيّ.
أيّ بلاد ستخرج من هذه المعادلة؟ وأيّ مُدن تستحقّ اسماً كهذا ستخرج من رحم سكّانها الجُدد؟ يكفي النظر إلى التحوّلات في منطقة رأس بيروت. إلى بيوتها القديمة التي تتساقط واحداً تلو الآخر. إلى سكّانها الذين اختاروا النزوح عنها بعد إصرارهم على البقاء فيها طيلة سني الحرب.
ماذا يعني أن تقفل مصانع كانت ربحيّتها معقولة طيلة عقود، فيما ارتفعت أرباح المصارف عشرات الأضعاف منذ انتهاء الحرب الأهليّة؟ لا يحصل ذلك عادةً نتيجة تبدّل في المناخ، بل نتيجة سياسات وقرارات واعية. وهو لا ينعكس على توزيع الثروة وحسب، بل على القيم المنتشرة بين الناس، وعلى النظرة إلى العمل وقيمته.
ماذا يعني المديح المستمرّ للاغتراب؟ أليس تشجيعاً على الهجرة وتيئيساً من إمكان العمل من أجل تبدُّل الأحوال؟ كأنّ نوعيّة الحياة هنا هي عبارة عن لائحة طعام جاهزة إمّا أن تعجبك وإما أن تبحث عن مطعم آخر في قارّة أخرى.
هل يعرف سياسيّونا الغائبون عن السمع أنّ المياه التي يستخدمها الناس في البيوت عادةً، يسمّونها «ميّة الدولة». راحت «ميّة الدولة»... إجت «ميّة الدولة». فلنتأمّل هذه التسمية وننتظر يوماً لا يحتاج الناس فيه إلا «ميّة الدولة» و«كهربا الدولة». لكنّه يوم لن يطلّ علينا إلا عبر سياسات مختلفة تؤدّي إليها مفاوضات مختلفة بين اللبنانيين. فلنسمِّها لام ـــــ لام. ولمَ لا؟