ثلاثة أمور حدثت من وقت قريب سوف ترسم ملامح خطة أميركية في سوريا. الأمر الأول، مؤتمر عقده «الاتحاد الديمقراطي» الكردي، فبعد اثني عشر عاماً على تأسيسه، يتّجه «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي إلى تكريس نفسه كزعيم للأحزاب الكردية السورية، بالتزامن مع سعيه لتوسيع نشاطاته في سوريا، وتقديم نفسه كقوة معارضة بارزة.
وقد نجح «الاتحاد» في حياكة علاقات دبلوماسية وسياسية مع أبرز الأحزاب الكردية، وهو ما تمثّل، ولأوّل مرّة، في حضور وفد ممثل عن رئيس «إقليم شمال العراق»، وممثلة عن «حزب الشعوب الديموقراطي» التركي، وعن حزب «الاتحاد الوطني» في شمال العراق، وممثلين عن «حزب العمال الكردستاني»، وعن حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» (جلال طالباني). وقد تم التجديد لصالح مسلم الذي جُدّدت رئاسته المشتركة للحزب وآسيا عبد الله وقال في نهاية المؤتمر إنّ «المؤتمر يعقد في ظرف تاريخي مهم للشعبين الكردي والسوري، وسيكون مهماً في القرارات والنتائج». وأشار إلى «أن الحزب سيركز في نهجه على أخوة الشعوب ووحدة الأراضي السورية، والمطالبة بنظام ديموقراطي لامركزي للحكم». وأضاف أن «الحزب سيعمل على تكريس الخط السوري، ليكون حزباً سورياً أكثر ممّا هو كردي»، مع العمل على تكريس نفسه كـ «حزب سوري يقود جبهة المعارضة»، بعيداً عن هيئة التنسيق التي «اتسعت مؤخراً الهوة بينهما». ولا يخفى على أحد التنسيق بين طيران التحالف الأميركي وبين وحدات حماية الشعب على الأرض في مواجهة داعش. ولا يخفى أيضاً التنسيق بين وحدات حماية الشعب وقوات الجيش السوري النظامي بين وقت وآخر، خاصة في الحسكة.
الأمر الثاني: أعلن ثلاثة عشر فصيلاً سورياً مسلحاً، في مؤتمر صحافي، تشكيل المجلس العسكري الموحد، باسم «قوات سورية الديموقراطية»، مؤلّفة من «وحدات حماية الشعب، وحدات حماية المرأة، قوات الصناديد، المجلس العسكري السرياني، بركان الفرات، ثوار الرقة، شمس الشمال، لواء السلاجقة، تجمع ألوية الجزيرة، جبهة الأكراد، جيش الثوار (يضم جبهة الأكراد، اللواء 99، العمليات الخاصة 455، لواء السلاجقة، أحرار الزاوية، لواء السلطان سليم، لواء شهداء أتارب)، لواء التحرير واللواء 99». وبحسب بيان التأسيس، فإن هدف القوات «بناء سورية ديموقراطية، ومحاربة القوى التي تعادي الشعب السوري وعلى رأسها تنظيم داعش». وشكرت القوات في بيانها «التحالف الدولي الذي تقوده أميركا على دعمها، وناشدته بمزيد من الدعم». مصادر متابعة أكدت «أن العماد الرئيسي لهذه القوى هو الوحدات الكرديّة، التي أشركت الفصائل العربية، بهدف تخفيف الضغوط التركية على واشنطن، ولكسب مزيد من الدعم للقوات، ولإعطاء الطابع السوري البحت لها». ورجحت المصادر أن «الإعلان عن هذا التحالف يمهّد لبدء معركة تحرير الرقة، ومدينة جرابلس في ريف حلب الشمالي». يأتي ذلك في وقت أعلن فيه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف «أن موسكو تتابع عن كثب التطورات الداخلية في صفوف المعارضة السورية المسلحة، بما في ذلك تحالف قوى سوريا الديموقراطي»، وأضاف: «نحن مستعدّون للتعاون معها، كون بعض تشكيلاتها تضم قوى غير إرهابية عربيّة وكرديّة وآشوريّة».

الخيار الآخر للكرد تحت
قيادة الاتحاد الديمقراطي، خيار حقيقي وقائم

بدوره، أكد المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة، جون كيربي، «أنّ الولايات المتحدة ستستمر في دعم قوات وحدات حماية الشعب في سوريا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلاميّة». وكان كيربي قد قال في تصريح سابق: «إنّ الولايات المتحدة ملتزمة بوحدة وسلامة الأراضي السورية ولا نريد أن تقوم الوحدات الكردية بإقامة مناطق حكم ذاتي داخل سوريا، بل أن تكون مناطق محررة يعود إليها النازحون، وأن تستوعب إدارتها السكان المحليين من دون تمييز عرقي». ونحن بالطبع لا نصدق كيربي ولا كيري بخصوص مسألة «الحكم الذاتي» للكرد السوريين، بل يبدو أن الدافع الأكبر للتنسيق الكردي مع الأميركيين يقوم على رغبات كهذه. إضافة إلى إدخال المزيد من المقاتلين الإسلاميين «المعتدلين» إلى القرى والبلدات الكردية تحت يافطة عودة النازحين والمهجرين لإحداث تغييرات ديمغرافية تسهل الضغوط الأميركية على وحدات الحماية الكردية. وهو ما يعكس عدم وجود ثقة كافية من الأميركيين تجاه حزب «الاتحاد الديمقراطي»، وهو ما عبّر عنه مسؤول أميركي لم يكشف عن اسمه أن الولايات المتحدة لا تعتزم في الوقت الحالي تسليم أسلحة مباشرة لوحدات حماية الشعب الكردية السورية، لكنه أضاف إنّ واشنطن ستواصل دعم «الوحدات» والجماعات الأخرى التي تحقق نجاحاً في محاربة «داعش».
الأمر الثالث: قرار إرسال قوات خاصة أميركية إلى شمال شرق سوريا وهو جزء من استراتيجية لتمكين القوات المحلية من أجل هزم تنظيم «الدولة الإسلامية « وتقوية الجماعات المسلحة «المعتدلة».
وقال مسؤول أميركي إنّ بلاده سترسل ما بين 20 و30 من أفراد قوات العمليات الخاصة للعمل كمستشارين عسكريين في إطار محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية». وهو عدد قابل للزيادة حسب نجاح هذا الدخول. وقال مسؤول آخر إن قوات أميركية إضافية ستؤدي دوراً محدوداً ينطوي على تقديم «المشورة والعون». وأضافت المصادر أنّ الخطة تعبّر عن استراتيجية أوسع «لتقوية مقاتلي «المعارضة المعتدلة». إضافة إلى إنزال قوات التحالف الأميركي أسلحة من الجو لبعض قوات سوريا الديمقراطية.
باستعراض هذه الأمور الثلاثة يرى المتابع ملامح خطة أميركية للتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية مع هيمنة وحدات حماية الشعب الكردية لتحرير الرقة عاصمة داعش واعتبارها قاعدة انطلاق ونفوذ لقوات التحالف الأميركي وحلفائه من المعارضين «المعتدلين» نحو الداخل السوري. الأمر الذي يغري بعض الكرد السوريين بجعل هذا التوجه خياراً لهم لتحقيق حكم فيدرالي على درب كردستان العراق.
والخيار الآخر للكرد السوريين تحت قيادة الاتحاد الديمقراطي، وهو خيار حقيقي وقائم، هو التنسيق مع الجيش السوري النظامي ومع الطيران الروسي (ومع الحلف الرباعي عموماً) لدحر داعش والمشاركة مع هذا الحلف بورقة تفاهم من أجل سوريا ديمقراطية علمانية ترعى حقوق جميع مواطنيها وترعى الحقوق الثقافية للكرد السوريين. أما إذا اختار الكرد السوريون الاصطفاف إلى جانب التحالف الأميركي، وتناسوا الجمل والنصيحة، فهم بهذا يعرضون الكرد السوريين في أريافهم ومدنهم للطحن بين مطرقة التحالف الرباعي وسندان التحالف الأميركي الذي هدفه الأكبر إطالة أمد الحرب إلى ما لانهاية حتى يتم له إنقاذ عروش حلفائه من الملوك والمشيخات المنتهية الصلاحية منذ أمد بعيد. وما سموم الوهابية والتحريض على الكراهية بين الفرق الدينية المنتشرة في المنطقة العربية إلا واحدة من مظاهر هذا الانتهاء للصلاحية.
* كاتب سوري