بين الإيمان والعقل والعلم أو بين الخلق والتطوّر جدليّة قائمة على إشكاليّة من خلق أو صنع الكون والإنسان. الإنسان يسأل من أين أتى، وكيف نشأ، وما معنى وجوده، وما هو مصيره. لكن السؤال الحقيقي يبقى في سؤال الله لنا كما ورد في سفر أيوب الفصل 38: «أين كنت حين أسست الأرض؟ أخبر إن كان عندك فهم من وضع قياسها؟... أو من وضع حجر زاويتها... هل انتهيت إلى ينابيع البحر...؟ هل انكشفت لكَ أبواب الموت...؟
هل أنت تربط عقد الثريا...؟ أترفع صوتك على السحب فيغطّيك فيض المياه...؟ أترسل البروق فتذهب وتقول لك: ها نحن؟».
طرحت نظرية النشوء والتطوّر منذ 150 سنة ولم تكن بعد معروفة أصول الوراثة والنظريات الجينية ولا اكتشاف الحمض النووي (ADN). ويبقى السؤال حول الكون وإشكالية الخلق ونظرياته والانسان في القلب والعقل لا يشفي. فمرات يقلّع العقل طبقات السماء ويخلعها لينزع عنه الوهم والخرافة. ومرات يغرق في نشوة الإيمان فيهبط بالانسان إلى أرض المحرقات والمحرمات كما حدث زمن غاليليو منذ 400 سنة: الأرض تدور والعالم يتطوّر، والحقيقة آتية لكن اليوم أتت الجامعات الكاثوليكيّة معاً للإصغاء إلى العلم والله وإلى المعرفة والحقيقة. أتت لتقول إنّ الإيمان والعلم طريقان للمعرفة لا يتناقضان، هناك استيعاب للعلم والمعرفة والإيمان وهناك دور للعقل والإيمان. العقل والإيمان هما جناحا الروح الذي يرقى بهما الى سر الله وسر الإنسان وسر الوجود (وثيقة بين العقل والإيمان). يمكن أن يكون هناك نزاع بين أهل الأديان والإيمان ولكن ليس بين العلم والدين، لأن الإثنين سيصلان الى الحقيقة لمزيد من المعرفة والحب والفرح في الوجود (لأنّ الحياة الأزلية هي معرفة الله كما قال يوحنا في الفصل 7/4).
لو عاد اليوم غاليليو بعد 400 سنة وداروين بعد 150 سنة لجلسا معاً بفرح... وقدّرا جرأة الكنيسة الكاثوليكية وجامعاتها على إعادة قراءة تاريخها والنظر إلى ثوابتها اللاهوتية وتحولاتها الزمنية في صيرورتها التاريخية العلمية. ولجلسا بفرح مع القائمين بهذا التفكير العظيم الذي يجعلنا ننتمي بفرح الى كنيسة تعترف بأنّها أخطأت في مسارها وتابت واستغفرت وعرفت انّ حقيقتها الكبرى هي الإصغاء لله ومعرفته والإيمان بابنه يسوع كلمته الأزلية الإله الحي مخلّص العالم والباقي هو في حوليات الزمن والصيرورة التاريخية. فلا تناقض بين الإيمان والعقل والعلم والدين.
فالله مصدر الوجود بأسره والاثنان العقل والإيمان يحكيان بطريقتهما الخاصة قصة الخلق والوجود ومعنى الوجود والإنسان.
* أمين سرّ اللجنة الاسقفية لوسائل الإعلام والمسؤول عن فرع الصحافة في «المركز الكاثوليكي للإعلام»