أبداً، وبحكمةٍ أقل، تستنسخ الضحية جلادها، تجترّ تاريخ مَن ظنّته انتصر، كونها مهزومة في الأصل والفرع حين توهم ذاتها بصلحٍ معقودٍ بينها وبين هذه الذات، بديهيّ قولنا: السيادة والحرية يصنعهما حرّ وسيّد، بعدما أوجب استدراكنا هذا طمأنينة من حاضر وسيحاضر فينا بالعفاف دونما ملل أو خجل. وما مناسبة كلامٍ كهذا إلا عُجالة العزيز أسعد أبو خليل في جريدة «الأخبار» يوم 8/9/2012، تحت عنوان «شيعة الوهابية». والعزيز أسعد نموذجٌ فاضح للتماثل بعدوّه، محصناً بأخلاقيات أسياده الذين يحلو له تسميتهم بالرجل الأبيض، وإلا ما معنى إصراره الأسبوعي على تذييل عجالته بإعلامنا أنه أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا؟

ولأنه أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، صار مسموحاً له بأن يشكّك بممانعة ومقاومة العلّامة السيّد محمد حسن الأمين للعدوّ الإسرائيلي، ولأنه كذلك وبهذا الموقع يحقّ له أن يقرأ التاريخ انتقائياً، يحذف ما يشاء، ويثبت ما يشاء، دونما محاسبة أو مساءلة ممّن يشاء. وبمقدوره أيضاً أن يتهكّم ودونما إسنادٍ أو تعليل ـــ متى وكيف حظي بلقب علّامة ـــ قاصداً السيّد الأمين، متهماً إيّاه بالتبشير بالوهابية، معتمداً على كون خيار الاعتدال والتوسّط ــ أي الوهابية بكلامٍ آخر ــ وبمقاربة العزيز أسعد هذه، يجب على آل سعود من اليوم الاستعانة به كموظف برتبة بوقٍ يعمل في إعلامهم أو إعلام أعدائهم، فمَن غيره أبدع بوصفه للوهابية مرادفاً للاعتدال.
لستُ هنا بصدد الذود أو الدفاع عن السيّد الأمين، جراء هجوم يقوده أبو خليل بأرخص الأسلحة. فقامة السيّد تكفي بماضيها وحاضرها لدحض تلك الافتراءات، أقلّه بعدم الالتفات إليها.
إلا أنني أمام نموذج جديد لاستباحة اللغة وتعميمها، بعدما صار الخبز للخاصّة. أستاذ وكاتب ومفكر، يدرك أن مَن يدّعي الانقلاب عليهم هم علّة وجوده، ليصبح مبرراً لوجودهم هكذا بين مطرقة وسندان بين سلطتين تقومان على إلغاءٍ ونفي. كاتبٌ ضدّ السلطان بلغةِ السلطان، بقوّة تقارير عيونه ومخبريه، يأسر ويطلق مَن يشاء. وحده يصدر أحكاماً مبرمة. فهو العارف بكل شيء والقادر أيضاً، مثله مثل مطلق سلطات العرب وثوارها ماضياً وحاضراً.
باختصار، ورغم أنني التقي مع أبو خليل في كثير من الأمور، وأختلف مع من يختلف معهم في أمور كثيرة أيضاً، إلا أنه يبقى وسلطات الاستبداد العربي وغير العربي وجهين لعملية واحدة تفوح منها رائحة النفط. وحين أقرأ أسعد أبو خليل أتأكد بأن المخبرين وراء الباب وعليّ أن أهرب!