الآن، وبعد أن ظهرت معالم العدوان على سوريا وأبعاده كاملة، فقد أزف الوقت لاتخاذ موقف واضح من الأوضاع في سوريا. لقد تبينت الحقائق جلياً من واقع الأحداث ومن مصادر المعتدين أنفسهم، سواء كانت الجهات التي تسلح العصابات الإجرامية والذين يقومون بحرب وكالة عن أطراف متعددة (أميركا ودول الناتو الأوروبية وتركيا وقطر والسعودية والكيان الصهيوني وقوى التآمر والتبعية اللبنانية) أو من يمولهم ومن يزودهم بالغطاء الإعلامي والدعاية المغرضة وأدوات الاتصال المتقدمة والمعلومات الاستخبارية واللوجستية أو من يقوم بتدريبهم والتنسيق بين فصائلهم ومن يشعل نيران الطائفية والنعرات الإثنية لتمزيق الوطن السوري وتفتيته أو من يساعد في تصدير عصابات مسلحة من دول أجنبية تتخفى وراء رداء الدين و«الجهاد» وتوظف شرائح سورية فقيرة مهمشة للقيام بأعمال تخريبية. إن ما يحدث في سوريا الآن هو عدوان آثم تشنه هذه القوى بالوكالة، ليس من أجل الديموقراطية وضد الاستبداد كما يدعون، بل لإزالة العقبة العربية الباقية أمام المشروع الشرق أوسطي المعلن منذ سنوات لفرض الهيمنة الأجنبية على الوطن العربي وتفتيته وإخضاعه.كذلك أصبح من الواضح أنّ الحركات الاحتجاجية السلمية والمشروعة جرى اختطافها مبكراً واستغلالها من قبل قوى العدوان التي أعلنت هدفها بإسقاط النظام منذ عدة سنوات ومن قبل الأطراف التي تتبنى دعوات التدخل الأجنبي وتطالب بتزويد السلاح والحظر الجوي والحصار الاقتصادي الذي يعانيه الشعب السوري كله الآن.
لم يبقَ للمثقفين العرب الملتزمين قوميتهم والمؤمنين باستقلال الوطن السوري ووحدته أي مبرر أو سند للتردد أو التلكؤ في اتخاذ موقف واضح من الأحداث والعدوان الذي تتعرض له سوريا التي احتضنت المقاومة الفلسطينية واللبنانية. إن الموقف الصحيح والواعي يرفض الثنائية اللامنطقية، وكأن الاختيار هو فقط بين العدوان الأجنبي أو الاستبداد المحلي. فلنتذكر بديهية أن الحكم الديموقراطي لا يمكن أن يتحقق إلا عن إرادة شعب مستقل حر يتمسك بسيادة وطنه واستقلاله؛ فلا حرية لمواطن في وطن غير حر.
لهذا نعلن بوضوح نحن الموقعين على هذا البيان من توجهات سياسية متعددة أننا نقف بصلابة مع الدولة السورية وقيادتها في وجه العدوان السباعي الذي يتعرض له الوطن والدولة والشعب السوري كما أننا نقف بصلابة (وكما أعلن بعضنا قبل الأحداث بسنوات) ضد القمع البوليسي وأي سياسات اقتصادية لا تعطي الأولوية لعموم الشعب، وخصوصاً الكادحين، ونصر على العمل من أجل حرية وكرامة كافة المواطنين السوريين، ومن أجل المشاركة السياسية الواسعة لتحقيق طموحات الشعب المعيشية والقومية وعلى رأسها سيادة سوريا واستقلالها ووحدتها ووقوفها ضد الكيان الصهيوني والإمبريالية والتبعية لقوى الهيمنة الغربية. لهذا تبنى بعضنا من الوهلة الأولى مبدأ حماية استقلال سوريا ووحدتها ورفضنا لمحاولات إشعال الطائفية، وأكدنا في الوقت نفسه ضرورة الإصلاح الجذري السلمي مهما كانت الصعوبات.
إن سوريا بكل طوائفها وإثنياتها تصبو إلى العيش في سلام مبني على احترام وصيانة كل مكوناتها وتسخير كل طاقتها وعناصر إبداعاتها لخير المجتمع. إن الأولوية الآن هي دحر العدوان فليس هناك نظام حكم يتخلى عن شرعية الدولة لحساب عصابات مسلحة مدعومة أجنبياً أو يسمح بتمزيق النسيج الاجتماعي للدولة. إن الانتصار على قوى العدوان شرط أساسي ليس لخروج سوريا من محنتها وإنما لتشكيل بؤرة انطلاق جديدة وقوية للوطن العربي للتحرر من براثن التبعية واتفاقات كامب دافيد ووادي عربة وأوسلو ومن أجل تحرير فلسطين.
إن الشعب السوري يتوق لمؤازرة قوية من المثقفين العرب الرافضين للتدخل الأجنبي والتبعية تقويه معنوياً وتساعده في صموده العظيم نيابة عن الأمة العربية بأكملها.

أنقر هنا للاطلاع على أسماء الموقعين على البيان