أهلاً بك... لقد عادت ليالي الستيلا. الرسالة وصلت على التليفونات المحمولة، بينما كانت الشرطة تطارد بقايا الغاضبين عن سور السفارة. ما كل هذا الجنون؟ البيرة تعلن عودة لياليها، بينما يتحوّل الغضب من أجل الرسول إلى حفلة يرفع فيها علم «القاعدة» على سفارة الشيطان الأميركي. حفلة غزاة على هامش «مهرجان» جديد للهستيريا الجماعية، هذه المرة تحت رايات النبل المقدس: الدفاع عن الرسول، والإسلام. لكنّه إيقاع هتافات الملاعب نفسه، والروح الغاضبة نفسها، المتمردة على كل السلطات، والفوارة بغضب لا حدود له.
الروح القادمة من هامش مطرود من رحمة الدولة لا أمل لهم في الحياة، وينتزعون حقهم بالحرب اليومية. وسعت الثورة مجال حركتهم، وكسرت حواجز السلطة، وسمحت لهم بالمشاركة في «عمل كبير». هم شركاء في الشيء ونقيضه، غاضبون بصدق بسبب المساس بسيرة النبي المقدس، وهذا لا يمنع من استخدام شتائم سبّ الدين أو التحرش بالصحافيات الأجنبيات.
إنّه الغضب المثير، يتحرك هذه المرة مع حكام اللحظة الراهنة. الحكام قرروا المزايدة على الجميع، واختاروا سور السفارة... وهنا بدا الأمر معقداً... الغضب بلا حدود، وأميركا رمز لحرب السلفية الجهادية التي تحرّم الديموقراطية وتدافع عن أسامة بن لادن. وهنا تغيّرت القيادة، عندما غادر زعماء السلفيين والإخوان الشاشات إلى الشارع. في الشارع القيادة للأكثر تطرفاً، وحفلات الهستيريا ستذهب باتجاه الجهة التي تستوعب أعلى طاقات التمرد والجنون. السفارة لم تعد قلعة في قلب القاهرة، فقد تحطمت الأسوار حولها وفتحت الشوارع التي كانت تحصن بها نفسها، وكانت المفاجأة هي الهجوم عليها بسبب فيلم سخيف. الاقتحام الأول كان سهلاً؛ لأنّ الأوامر لم تكن واضحة: هل يتصدى الأمن بالطريقة القديمة؟
الرئيس، الذي كان في طريقه إلى جولة أوروبية، وقف في منتصف مسافة، هاجم الفيلم ولم يستطع الهجوم بوضوح على مهاجمي السفارة، إذ بينهم زملاء حركة اسلامية. التردد هنا كان في الخطابات المعلنة، لكن التعليمات اصبحت واضحة: السفارة قلعة كما كانت. هنا بدا العبث كاملاً. وقود الحفلة الهستيرية وحدهم بدون قيادة، والقيادات عادت الى شاشاتها ومقارها تشير إليهم: انهم يزعزعون الاستقرار. وكلهم الآن يتكلمون على «شروط الغضب المثالي»، بينما الشرطة تستعيد طاقتها كما لو كانت في اليوم التالي لجمعة الغضب في ٢٨ يناير/ شباط ٢٠١١، حين هزمت من الثوار وانسحبت بشكل مفاجئ من الشوارع. ليست الشرطة وحدها، ولكن الحراسة الايديولوجية للسلطة بكامل عتادها القديم، ومنها تصريحات حكومية على لسان رئيسها عن «أموال تلقاها المتظاهرون»، واشارات من الداعين انفسهم للغضب المقدس عند السفارة الى «أصابع خارجية» و«محلية» ارادت تعطيل المرسي عن مشروع «النهضة».
الضرب العنيف حول السفارة رسالة اعتذار غير مباشرة لواشنطن، ستتلوها رسائل اخرى اكثر تكلفة، ستكون اعلاناً للصدام بين «الرئيس الاسلامي» وجماعات «اسلامية». الرئيس الذي دخل في اطار «الراعي الدولي» لم يكن يعرف حتى موقعة السفارة ماذا تعنيه المحافظة على المصالح الاميركية. وهذا ما ذكرته به تصريحات غاضبة من اوباما وفريق ادارته عن التردد تجاه مصر: «ليست حليفاً... لكنها ليست عدوة»، او تلك الاكثر وضوحاً للسفيرة الاميركية بالقاهرة عن صدمتهم فيمن ساعدوه على الوصول للحكم ولم يحافظ على المصالح الاميركية.
لم ير الغاضبون معركة الكواليس، لكنهم دفعوا ثمنها عنفاً من قوات الامن، اغلبهم مراهقون تراهم في عصابات التحرش الجنسي، او في هوجات ضرب الشرطة، لكنهم لا يعرفون الآن إلا انّهم عادوا الى موقعهم الطبيعي، مطرودين خارج اسوار السلطة، وفي هوامشها التي قد تتسع. هذه السلطة مثل سابقتها تحاول ترويض الهامش الذي تخلقه سياساتها، ويصبح هو نفسه جسرها الى الاستمرار. وبالغريزة تعرف السلطة انّها بالسيطرة على ضحيتها تصنع معجزة الخلود. هكذا ظهرت اعلانات العودة الى ليالي تحت اشهر ماركات البيرة (الستيلا) ملمحاً للجنون وليست شيئاً طبيعياً. جنون تحاول المدينة فيه ان تتعرف إلى نفسها. انّها مدينة في خطر. تكسرت الاسوار فلم يعد ما يحدث في مستعمرات الهامش بعيداً عن قلب المدينة. مواجهة تحدث بسبب ضعف قبضة الدولة، لتواجه المدينة نفسها... ترى جنونها في ساحة واحدة، تشعر بالخطر والنشوة معاً... الانتصار والهزيمة في حزمة واحدة.
المدينة الآن يهاجمها تيار يتعامل على انّه في غزوة. ينشر الإسلام الصحيح، ويعادي الحياة الحديثة كلها. غزاة خارجون من الكهوف، يقودون هجوماً يشبه الكابوس اليومي. هؤلاء يظهرون في كل مكان ليحوّلوا الثورة على الفساد والديكتاتور إلى إعلان استسلام لغزاة سينشرون الاسلام بين المسلمين. لا بد أن تشعر المدينة بالعار، بالتطهر من افكار عاشتها، ولهذا فإنّه عندما لم ينتبه احد للفيلم السخيف، بثته قناة «إسلامية» لتثير الغضب حوله. هذه هي لحظة «التفجير». لحظة اعلان كراهية الحياة، وطلب الموت، او الاستسلام لمن يتعاملون على انّهم غزاة المدينة. لحظة صممها وهندسها مشايخ يتبخترون في القصور التي بنوها من فتاوى كراهية في الحياة.
اعرف حكايات تشيب لها الرؤوس عن مشايخ غارقين في شهوانية بكل ما يتعلق بالحياة... يأكلون ويمضغون بأموال جمعوها من نشر فقه كراهية الحياة نفسها. الكراهية بضاعتهم التي يصنعون بها سلطة باسم الدين على عباد الله. ومن هذه السلطة تهبط الثروات. ومن هنا يحتاجون كل فترة الى صيد يشعلون به سوق الكراهية. هنا عثر احدهم على فيلم عن الرسول. لم يعرف احد، ولم يفكر لماذا أُعيد تحميله على الانترنت، رغم انه عرض منذ حزيران/ يوليو ولم يشاهده احد تقريباً. هناك اكثر من جهة صاحبة مصلحة. اولها، وفي مقدمتها مشايخ كراهية الحياة. هذا صيدهم الثمين. الشيخ المفتقد لنجومية المونولوجيست سيجدها فرصة ليمنح لنفسه قيمة الدفاع عن الرسول. كيف تدافع عن رسول السماحة بكل هذه البذاءة؟ لا احد يفكر، لأنّ الجميع مشغول بحرب الدفاع عن الاسلام. هكذا وجدها شيخ ينافس «العكش» في السماجة فرصة لينشر شائعة انّ الفيلم من انتاج اقباط المهجر.
الهوس له معجبون. والكراهية لها جمهور واسع. انّها اذن حرب مسيحية على سيد الخلق، وهنا سيظهر الشيخ المهووس ويحرق الانجيل ويهدد بالتبول عليه. ويبتسم بعدما وصل الهوس الى حده المجنون وسط قطيع هائج يوجهه صناع الكراهية لكي يفجر كل الطاقات السلبية المخزونة من سنوات العجز الطويلة. المشهد صالح الآن ليظهر متحدث باسم حزب سلفي ليؤكد صحة اصرارهم على وضع الحفاظ على الذات الالهية والنبوية من المساس. إنّها الفرصة المناسبة ايضاً ليذكر بأنّ منافسهم الاخواني غائب، والإخوان سعداء جداً لأنّ لا احد سيتذكر في هذه الهوجة رفع الدعم عن الغاز والبنزين، ولا الاستمرار في اتفاقية الكويز (مع اسرائيل) ولا جولات المرسي من اجل جمع القروض على خطى مباركية اصيلة.
سعادة الاخوان مضاعفة؛ لأن العبث المتفجر حول السفارة سيثبت اهمية اصدار قانون يمنع التظاهر، او يبرر مشاريع قوانين مهمتها حصار حق التظاهر والاعتصام، وهو ما فشل المجلس العسكري في فرضه، وعند حكومة المرسي الامل كله لفرضه في مواجهة الاجراءت الاقتصادية والسياسية التي توضع في شروط القروض. هكذا وحدهم كارهو الحياة ينتصرون. لقد وجدوا فرصتهم كاملة. العقل لا مكان له. لا احد يسأل من الذي دبلج الفيلم الى العربية؟ ولا كيف تتأثر دعوة استمرت اكثر من ١٥٠٠ سنة بفيلم ركيك؟ انّها فرصتهم ليصعدوا على ركام الجهل والهوس الديني... فرصتهم في إلغاء العقل لأن هذه ارضهم الوحيدة.
لم يفكر احد كيف استمر الاسلام بهذه القوة كل هذه السنوات، ويؤثر فيه اليوم واحد من افلام يصنع مثله ضد المسيح وموسى في بلاد اغلبيتها يؤمنون بهما. يغضب بعض المؤمنين ويعبرون عن الغضب لكنّهم لا يشعلون الحرب ويقتلون، ويرون انّ هذه حربهم المقدسة.
لو تأثر الانبياء بكل ما قيل ضدهم لما كان هناك مؤمن واحد في العالم الآن، وهذا ما تعلمته البشرية التي تحب الحياة، وتخلصت من سلطة تشعل الحرائق لتصنع مملكتها فوق حطامها.
البشرية تعلمت أنّ الإيمان لا يحيا بالحرب المقدسة. وكل الحروب الصليبية كانت حروب سيطرة سياسية باسم المسيحية. وكل الاضطهاد الذي يتعرض له المسيحيون في بلاد اسلامية سياسي، ولم يمنع المؤمنين بالمسيح عن ايمانهم. انها حملة دعائية، رعاتها يجلسون في الكواليس. حملة تدرك انّه لكي يرى العالم كله فيلمها لا بد ان تصنع اثارة بفيلم آخر.
من شاهد الفيلم قبل كل هذه الضجة؟ من نشر الأكاذيب ليخرج الناس من بيوتها فداء للرسول؟ من اشعل النار ليوقظ الرغبة المدمرة في ارواح تربت منذ سنوات في مزارع الفاشية؟ المشايخ يربون قطعانهم عبر خطابات الكراهية والتحريض والعدوانية التي تنفجر في حفلات جماعية بطقوس بربرية وغوغائية. إنها ليست الا حملة ترويج لاسامة بن لادن ومنهجه في صراع الحضارات. حملة برعاية وكلاء اسامة بن لادن ومنافسيهم في سوق نشر الكراهية باسم الدين.



ضحية النظام والمقيم على أطلاله

وحدهم في فراغ حرره الثوار. جحافل هائجة ممن كان ماركس يسميهم «حثالة المدن» (وهو ليس توصيفاً أخلاقياً او طبقياً). هو ليس صعلوكاً، ولا ابن البلد الشعبي، ولا الفقير المعدم. هو «حثالة» تعيش بين فواصل الطبقات. لا وعي خاصاً، ولا سياق تعيش فيه، تغضب أحياناً من السلطة وتصل بغضبها الى الحافة، فتكسر وتحرق... وبعد قليل يمكنها أن تصبح في الطرف الآخر، وبالحماسة والتدمير ذاتهما. هي صندوق بقايا بشرية. يمكن من باب الفلسفة اعتبارها نوعاً عشوائياً من الغضب والسخط على كل المؤسسات القائمة، بداية من مؤسسات السياسة إلى مؤسسات القيم والأخلاق، من العائلة إلى المدرسة مروراً طبعاً بمؤسسات السلطة التي لا تطارد سوى الغلابة والضعفاء، بينما تحمي الأقوياء والمستندين إلى حائط النفوذ. هم نسخ مكررة من الكائن المسخ الذي ولد بعد سنوات طويلة من الصمت والعجز يتكلم كلمات غير مفهومة، ويعبر بنصف لسان وحركات فوضوية. هم أشباه «الليمبي» (كما رسمتها سلسلة افلام عن هذه الشخصية). فتوة من حي شعبي يعتقد أنّه يملك قدرات خرافية. «أنا ممكن أقطع الكهربا عن الحي كله... أنا الليمبي اللي الزلزال يزلزل الدنيا وما يهزنيش»... ويشعر بثأر من الدنيا لأنّ حظه لا يناسب قدراته التي يتخيلها. لهذا يتوعد الناس كلهم في جملة يكررها كثيراً «طيب يا بني آدمين». قاموس ينتمي إلى لغة سوقية. فاضح في أخلاقه. يشرب البيرة علناً ويدخن الحشيش والبانغو، ويعلن حبه ويتبجح على الدنيا كلها... وفي الوقت نفسه رقيق وخجول ورومانسي على طريقته. يتدخل في كل شيء تدخلاً مفرطاً دون علم ولا دراية... يرقص ويغني ويبيع نفايات الطعام. يقول الشعر وينظّر في الحب. يشعر دائماً بالخطر. وهو في الوقت نفسه مصدر الخطر الأول. ابن المعسكرات البشرية في المساكن الشعبية (أيام عبد الناصر) والعشوائيات (أيام مبارك)... ضحية كل الأنظمة، والمقيم وحده على أطلالها.



الثورة في بحر رمال متحركة




هم ليسوا مرضى البيدوفيليا (أي محبّي ممارسة الجنس مع الأطفال)، لكنّهم يقدمون إسلاماً يوافق هوى قطاعات تعيش مزيجاً من البدائية والتحضّر، أو تعيش على الحافة بينهما. النائب السلفي الذي شغل الناس بطلبه إلغاء حظر زواج القاصرات ليس «بيدوفيل» في أقصى تقدير، لكنّه يغازل قطاعاً يريد «موديلاً» مرناً للإسلام، يطبخ النزوات الذكورية بسند من حرب الهويات، ويرى أنّ منع زواج القاصر «غزو ثقافي من الغرب»، لأنّ بناتنا يبلغن مبكراً، ومن عمر التاسعة... و«الرسول هنا قدوة».

هذا هو العالم الافتراضي المقيم في قلب الحياة المصرية الحديثة، باسم الهويات والقدوة، يوقف الزمن ليصبح اليوم مجرد امتداد أفقي للحياة قبل 1500 سنة. تركيبة العالم الافتراضي تلك تناسب كيانات لا تتيح حياتها أبعد من هذه التركيبة التي تجعل السلفيين أيضاً هم رعاة تجارة الأدوية الشعبية من المنشطات الجنسية وعقاقير إطالة الجماع. المواطن هنا هو زبون عند أصحاب العالم الافتراضي الذين يمنحون لنزواته غطاءً دينياً. وهنا لن تعدم السير الداعمة من حياة الرسول وصحابته، بعد أن تخرج من سياقها التاريخي لتصبح النموذج الأبدي. الحرب تقوم هنا على فكرة مفادها أنّ هناك هوية راقدة في سنوات الإسلام الأولى، وهؤلاء وكلاء حصريون لها، يقاومون بها «غزو الغرب الملحد».
هويات تتصادم الآن مع قطاعات واسعة، لكنّها تفرض نفسها باسم أغلبية الصناديق، وكأنّ التصويت ليس على نيابة برلمانية، لكن على طرف منتصر في حرب الهويات. وهنا يكسب السلفي أرضاً من الإخواني المخضرم في التنظيم، لكنّه في حرب الزبائن يختار أسلوباً مغايراً يصنع به قبيلة. لا أرضية تربط الجمهور الواسع بقادته من مشايخ. وهكذا تحول موضوع الثورة من بناء جمهورية جديدة الى صراع حول «كيف نكون مسلمين؟». السؤال يصب في خطة عودتنا الى قبيلة افتراضية يقودها مشايخ ومسيّسون يصنعون وجودهم كله من الكلام باسم الدين. هذه تجارتهم. بضاعتهم التي صنعوا منها وجوداً ومساحة عند ملايين ينتظرون رحمة الله... وسلاحهم الذي جعلهم أصحاب أغلبية في مجال سياسي هش ومع سلطة شرعية كانت تبحث دائماً عن شرعية دينية فتقربهم فترة وتضعهم في سجونها فترات. لكن بدون هذه البضاعة، ماذا لدى الإخوان مثلاً؟ كيف يرون العلاقة مع العالم، أو كيف يديرون دولة مثل مصر لها تاريخ في التعددية، ومعركتها ليست الهوية الدينية، وإبداعها في العالم مبنيّ على رابطة وطنية لا سيادة قبيلة واحدة؟ ماذا لدى كوادر الجماعة غير ما قاله محافظ كفر الشيخ، سعد الحسيني، عن مهمته في الدعوة الى الإسلام؟ هل لديهم علاقة بالحياة أو السياسة أو العلم أو الفكر أو أي شيء غير تنظيم الناس في قبيلة واحدة؟ هل لديهم شيء غير ترويج الفكرة الافتراضية: إننا لسنا مسلمين كما ينبغي، وإن الإسلام في خطر، وإن إسلامنا ناقص إن لم نتّبع كتالوغ مكتب الإرشاد؟
الإخوان الآن في مرحلة الاعتدال أي في منتصف العمر، وهناك من يعتبرهم ضالّين، أو أن إسلامهم ناقص، الى آخر هذه الدائرة التي لا تنتهي، والدوامة التي تقود من تطرف الى تطرف، ومن إرهاب بالسلاح الى إرهاب بالأحكام الجاهزة. هل لديهم غير هذه المتاهة؟ إنه التطرف الى درجة الدخول في فكرة افتراضية تقول إنّ حزباً ما أو سياسياً ما هو الذي سيحمي الذات الإلهية. تطرف يجعله معركة في الدستور لأنّ لا شيء لديهم سوى الكلام حول أو باسم الذات الإلهية. هل تنتظر الذات الإلهية حمايتكم؟ كيف ستحمونها؟ بمزيد من إلقاء التهم على من تختلفون معه؟ ليس السؤال إذاً كيف نكون مسلمين؟ لم يتقدم الغرب بسبب أنّه مسيحي، وليست إسرائيل قوية لأنّها يهودية. الغرب تقدم عندما تخلص من سلطة من كانوا يسألونهم كل يوم: هل أنت مسيحي؟
قوّة إسرائيل في صناعتها لدولة ديموقراطية تغطي على إرهابها وعنصريتها وانحطاطها البغيض. سؤال مثل «كيف نكون مسلمين؟» لا يصنع سلطتهم وجبروتهم على عباد الله الغلابة. لا يصنع سوى التخلف لأنّه ليس هناك من يوزع صكوك الجنة ولا يضمن لأحد دخولها. ومشكلتنا ليست أننا مسلمون أقل مما ينبغي، ولكنّنا تعرضنا لسنوات استبداد وفساد... نريد الآن، بعد التخلص من الطاغية ونظامه، أن نبني دولة حرية وعدالة وكرامة. لسنا قبيلة... ولن نكون.
نحن شعب، فينا المسلم والمسيحي واليهودي والبهائي، ومن لا يؤمن بدين واحد، ومن لا يؤمن بالدين... وإذا كانت مهمتكم المقدسة هي تحويلنا الى قبيلة واحدة تتبعكم، فإنّها الحرب الأهلية اليومية. هي الفوضى التي ستشحن الغضب من الاستبداد والإفساد بشحنات دينية، ليحصل البذيء على قيمة لبذاءته لأنّها من أجل الإسلام، والفاشل سيبرر فشله بأنّ هناك من يحارب إسلامه، والمنحط سيرفع رايات انحطاطه ويكتب عليها شعارات التوحد. وهكذا ليس لديكم إلا المتاهة واللعب على كل الحبال. تحرّضون ضد السفارة وتعتذرون لها. تشحنون المطرودين من رحمة الدولة ثم تتركون الأمن ليمارس عليهم بروفة عودته البغيضة... إنها الثورة في بحر رمال متحركة.