تعيش المجتمعات الإنسانية ضمن إطار من القواعد السلوكية العامة التي تنظم علاقات الأفراد بين بعضهم البعض من جهة، وبينهم وبين المجتمع، كوحدة، من جهة ثانية. وهذه القواعد السلوكية، تختلف باختلاف المجتمعات وتعكس بمجملها المفهوم العام للسلوك الاجتماعي المتبع في كل متحد اجتماعي. ولذا نرى أن أفعالاً معينة تشكل في بلد ما «جرماً» ولا تشكل في بلد آخر أفعالاً يعاقب عليها القانون. والقانون الجنائي، الذي يعطي للأفعال وصفها الجرمي، يتأثر، إلى حد بعيد، بتطور المفاهيم العامة في مجتمع من المجتمعات، فيتسع نطاقه أو يضيق حسبما تمليه التحولات التي تطرأ على المجتمع في فترة من الفترات أو حقبة من الزمن. والغاية الأساسية من اعتماد كل المجتمعات قانوناً جنائياً خاصاً بها هو توفير الأمن الاجتماعي للمواطنين بتكريس القيم الأخلاقية والسلوكية الاجتماعية الصحيحة بين الأفراد، بحيث تتحقق سلامة الإنسان في نفسه وحياته وكرامته وماله ومركزه الأدبي والاجتماعي وفي سلامة ذويه وأقرانه وبيئته الإنسانية والاجتماعية الطبيعية وحياته السياسية. وهكذا يحدد القانون الجنائي المبادئ التي توجه سلوك الفرد والجماعة في سبيل خير المجتمع والسير به نحو الأفضل وحمايته من الانحلال والاضمحلال، كما يحدد الجزاء أي العقوبة التي تحل بمن يخرج على هذه المبادئ الموضوعة لحماية الإنسان والمجتمع.واتصال الإنسان بالمجتمع، اتصال وثيق جداً ناجم عن حماية كل منهما للآخر. ويجعل ذلك للإنسان المتحضر ذاتاً اجتماعية مكونة من قيم ومفاهيم مجتمعه. وهذه الذات تفوق، بالنسبة إليه، ذاته الشخصية، إذ إن الإنسان بدون ذاته الاجتماعية لا يختلف عن الحيوان في شيء. ومع تطور المجتمعات، وتطور فكرة الدولة بمفهومها الحديث الرامي الى حماية المجتمع والمحافظة على قيمه، تطور القضاء الجزائي بحيث أصبح هذا القضاء يمارس وظيفته الاجتماعية بتعمق وفهم، وأصبحت الأحكام التي تصدرها المحاكم تبرز بوضوح وصراحة المفهوم الاجتماعي للجرم والغاية الاجتماعية عند فرض العقوبة.
وانطلاقاً من هذه الفكرة التي توصلت إليها المجتمعات، فكرة كون القانون الجنائي قد وضع في سبيل تحقيق غاية المجتمع وأفراده ومصالحهم، تم اعتماد الأسس التي تعطي للغل وصفه القانوني، كما تم اعتماد الأسس التي تحدد العقوبات الملازمة للأفعال الجرمية، وعلى رأس هذه الأسس: الأخذ بعين الاعتبار الظروف الاجتماعية والشخصية التي أحاطت بالفعل عند ارتكابه أو التي دفعت بالفاعل إلى القيام به.
فمن جهة، لحظت كل التشريعات حق الفرد بممارسة حقوقه وإن كانت مصدر ضرر للغير، طالما أنّ هذا الضرر هو نتيجة طبيعية لهذه الممارسة، شرط ان لا يتجاوز الانسان في ممارسته لهذه الحقوق حدود حسن النية. وعرف التشريع الجزائي، أسباب التبرير ــ أو الإباحة ــ التي تنزع عن الفعل الضار وصفه الجرمي. ومن جهة ثانية، لحظت التشريعات الظروف المشددة او المخففة للمسؤولية الجرمية، آخذة بعين الاعتبار، الدافع الذي ارتكب من اجله الفعل الجرمي. فالجرم هو اعتداء على الفرد او المجتمع، ولكن تختلف اهميته بقدر الضرر الذي يلحقه بهما أو بقدر الخطر الذي يشكله الفاعل على المجتمع، وبقدر اهمية الاعتداء وعدم مشروعية الدافع له، بقدر ما تأتي العقوبة اشد وتهدف الى ردع المجرم او عزله ووقاية المجتمع منه. ومن هذا المنطلق، عرف التشريع الجزائي التصنيف بين الجرائم (جنايات – جنح – مخالفات ) كما جرى التمييز بين الجريمة العادية والجريمة السياسية. واستناداً الى ما تقدم، نجد أن العمل الذي قام به حبيب الشرتوني ضد أفراد ألحقوا بالمجتمع أشد الضرر باستعانتهم بدولة عدو، هو من جهة اولى، فعل تم بهدف مقاومة هذا العدو وحماية المجتمع من شره، وهو بالتالي يندرج تحت باب الدفاع المشروع عن النفس والمجتمع، وهذا بدوره يؤدي الى نزع الصفة الجرمية عن هذا الفعل. وهو من جهة ثانية، وفي حال تسليمنا الجدلي بصفة الفعل الجرمية، جرم سياسي لثبوت انتفاء اي مأرب شخصي او دافع ذاتي لدى الفاعل، ما يوجب ان تشمل هذا الفاعل الحماية التي يؤمنها المحتمع لأقرانه من مرتكبي الجرائم السياسية عملاً بمبدأ المساوة بين افراد المجمتع الواحد.
وغني عن البيان أن حق الدفاع المشروع عن النفس والمال وعن المجتمع هو حق كرسته جميع القوانين الوضعية، وليس التشريعات الحديثة وحسب، بل ومنذ عقود غابرة، وقد أعطي هذا الحق للفرد كلما وجدت ظروف قاهرة تحول دون قيام السلطة المولجة بحماية الأفراد والمجتمع بدورها في تأمين هذه الحماية. يقول جان جاك روسو في كتابه «العقد الاجتماعي» بأن الانسان عندما «ارتضى العيش في مجتمع منظم تنازل عن جزء من حقوقه وحريته بالقدر الذي يضمن حسن انتظام هذا العقد الاجتماعي وتنفيذه لمتطلبات السعادة الإنسانية».
فالأساس إذاً هو تمتع الإنسان بحريته، والقاعدة هي في ممارسته لكل حقوقه، اما تقييد حرية الانسان وتحريم ممارسته لبعض حقوقه فهو استثناء وضع فقط للحفاظ على حقوق الاخرين، ولتأمين مصلحة المجتمع. والقانون فرض على المواطن موجبات، وطلب منه التقيد بها وإنفاذها نظراً لارتباطها بتنظيم الحياة الاجتماعية. إلا أنّه في المقابل وضع تشريعات تؤمن له الحماية اللازمة لحقوقه، وأناط تأمين هذه الحماية بالسلطة التي لا يجوز لها ان تتلكأ عن تنفيذ ما كلفت به. كذلك اعطت التشريعات للفرد الحق بممارسة حقوقه وإن كانت مصدر ضرر للغير، شرط ان لا يتجاوز الانسان في ممارسة حقوقه حدود حسن النية، والحق المقصود هنا هو الحق المشروع الذي لا يتنافى مع المبادئ الأخلاقية أو الاجتماعية أو القانونية. ومن بين هذه الحقوق التي كرسها المشرع وجعل ممارستها بمنأى عن التجريم حق الدفاع المشروع عن النفس والملك، لرد اعتداء عليهما غير محق وغير مثار.
ويترتب على ممارسة حق الدفاع المشروع نزع الصفة الجرمية عن الأفعال التي يقوم بها الانسان في معرض هذه الممارسة والتي تشكل عادة جرائم يطالها قانون العقوبات. ونزع الصفة الجرمية عن هذه الافعال بحكم القانون يجعل فاعلها غير مسؤول عن ارتكابها لأنه في الواقع مارس حقاً مشروعاً منحه اياه القانون. ولقد اتفق معظم الفقهاء على ان الأساس القانوني الذي بنى عليه حق الفرد بالدفاع المشروع عن نفسه أو ملكه نابع من حقه في المحافظة على كيانه الانساني والاجتماعي وعن حقه في حماية هذا الكيان. فإذا ما أحس الانسان بخطر يهدد حياته او ماله او حياة غيره من الافراد او مالهم او احس بخطر يهدد المجتمع ككل، دون ان يكون هناك سلطة تقف بوجه هذا الخطر او دون ان يستطيع الاستعانة بسلطة لدرء هذا الخطر، فإن من حق هذا الفرد ان يمارس الدفاع المشروع بنفسه وبالوسيلة التي يستطيعها، حماية لنفسه او غيره او مجتمعه.
وبعض الفقه توسع اكثر، إذ اعتبر ان حق الدفاع المشروع ليس فقط حقاً، بل قد يتعدى الحق ليصبح احياناً واجباً. «... وهو بالتالي واجب عليه وعلى الدولة، وقد مارس هذا الواجب في الماضي بنفسه عندما لم تكن هناك دولة، اما وقد قامت الدولة وأخذت على عاتقها واجب حمايته، فان انفرادها في ممارسة هذا الحق يبقى قائماً ما دامت قادرة عليه. فاذا تعرض الفرد لظرف لم يكن بإمكان الدولة التدخل فيه لحمايته، عاد حق ممارسة الحماية اليه. فكما ان الفرد فوض الى دولة حمايته، كذلك الدولة بإقرارها حق الدفاع المشروع تكون قد فوضت ضمناً للفرد حماية نفسه عندما لا تستطيع هي القيام بهذا الواجب» (كتاب المسؤولية الجنائية – د. مصطفى العوجى ص 426 – 427).
«وخلاصة القول إنّ المجتمع، وان أخذ على عاتقه حماية الإنسان في نفسه وماله، الا انه سمح له بتأمين هذه الحماية بنفسه عند حصول الاعتداء عليه اذا تعذر دفعه بواسطة السلطة العامة فيحل محلها في ممارسة هذا الواجب الانساني والاجتماعي. انه تفويض من المجتمع للفرد لممارسة حق الدفاع المشروع عن النفس والملك ليس فقط بالنسبة اليه، ولكن بالنسبة إلى الجميع لأن حمايتهم واجب اجتماعي عام ان لم يتمكن المجتمع من تأمينه بوسائله، قام به الأفراد انفسهم وبتفويض منه» (المرجع نفسه أعلاه ص 428). والجدير بالذكر ان نص قانون العقوبات اللبناني قد كرس مبدأ الدفاع المشروع عن النفس، حيث ورد في المادة 184 منه المعدلة بالمرسوم الاشتراعي رقم 112 تاريخ 16/9/93 ما يأتي: «تعد ممارسة حق، كل فعل قضت به ضرورة حالية لدفع تعرض غير محق ولا مثار على النفس او الملك او نفس لغير او ملكه، ويستوي في الحماية الشخص الطبيعي والشخص المعنوي».
ويبدو واضحاً من هذا النص ان المشترع قد ساوى بين الدفاع عن النفس والدفاع عن المال، كما ساوى بين الدفاع عن النفس والدفاع عن الغير في نفسه وماله، كذلك ساوى بين حماية الشخص الطبيعي وحماية الشخص المعنوي.
على ضوء ما تقدم، وبالمقارنة مع الواقع الحاصل في لبنان ابتداءً من 1975 نجد ان القتال المستمر بين الميليشيات المتحاربة قد أدى الى اضغاف الدولة والى إلغاء سلطتها، بحيث لم تعد قادرة على فرض او تنفيذ اي قرار مهما بلغت اهميته. وهكذا، وجد المجتمع اللبناني نفسه، خلال سنوات طويلة أسير حرب ضروس لا هوادة فيها بحيث خسر من ابنائه حتى حزيران 1983، ما يزيد على مئة الف قتيل، قضى العديد منهم في مجازر جماعية فاقت بوحشيتها ما يمكن ان يتصوره عاقل. وكما لم تكن الدولة قادرة على ردع المتقاتلين ومنع ما يحدث من مجازر، كذلك لم يكن في مقدورها اطلاقاً منع المتقاتلين من الاتصال بأعداء البلاد، اليهوديين، او فرض العقوبات عليهم بسبب هذا الاتصال وفقاً لنص القانون. ورغم أنّ قانون العقوبات قد نص في المادة 274 على ما يلي: «كل لبناني دس الدسائس لدى دولة اجنبية او اتصل بها ليدفعها الى مباشرة العدوان على لبنان او ليوفر لها الوسائل الى ذلك، عوقب بالاشغال الشاقة المؤبدة. واذا افضى فعله الى نتيجة عوقب بالاعدام». ورغم ان هذا القانون قد نص أيضاً في المادة 275 عقوبات على ما يلي: «كل لبناني دس الدسائس لدى العدو او اتصل به ليعاونه على وجه كان على فوز قواته عوقب بالإعدام». رغم هذا كله، قامت فئة من اللبنانيين، على رأسها بشير الجميل بالاتصال بإسرائيل والعمل معها ومساندتها. وقد افضت المساندة الى احتلال اسرائيل للبنان. كل ذلك في سبيل تحقيق اهداف وغايات فردية وشخصية، منها الوصول الى منصب رئاسة الجمهورية بانتخاب تم تحت ضغط وتهديد جيوش العدو وغاراته ودباباته ومدافعه.
ازاء ما تقدم، ومع غياب السلطة اللبنانية، وبتفويض من المجتمع، أنزل حبيب الشرتوني عقوبة الإعدام بمرتكبي الجناية المنصوص عليها في المادتين 274 و275 عقوبات، مدفوعاً بجرأة عز نظيرها، وبإيمان راسخ بكرامة الوطن وبحق الشعب بمقاومة المحتل ووضع حد لكيد اليهود في الداخل اللبناني، فكان بعمله هذا خير مدافع عن مصلحة الشعب ومصلحة المجتمع، وهذا الدفاع ينفي عن عمله صفة الجرم ويسبغ عليه صفة البطولة. وإن تهليل ابناء الوطن ورصاص الابتهاج الذي عم البلاد ليلة وقوع الحادث شهادة نالها حبيب الشرتوني من اللبنانيين وحكم كرس براءته.
ما تقدم، يبرئ حبيباً من اي جرم، ولكن إذا سلمنا جدلاً بقول البعض بوجود جرم، فلا شك انّ هذا الجرم هو جرم سياسي ينطبق عليه تماماً تعريف ووصف الجرم السياسي كما أقرته معظم التشريعات الحديثة. فمما لا خلاف عليه قانوناً وفقهاً أن الأساس المعتمد للتمييز بين الجريمة العادية والجريمة السياسية هو، حسب معظم التشريعات، الدافع إلى ارتكاب الجرم، فإذا كان الدافع دنيئاً كان الجرم جرماً عادياً، اما اذا كان الدافع يرتكز الى دافع سياسي كانت الجريمة سياسية. وقد اخذ قانون العقوبات اللبناني بهذا التمييز بين الجريمة السياسية والجريمة العادية في نص المادة 196 من قانون العقوبات على ما يأتي: «الجرائم السياسية هي الجرائم المقصودة التي اقدم عليها الفاعل بدافع سياسي، وهي كذلك الجرائم الواقعة على الحقوق السياسية العامة والفردية ما لم يكن الفاعل قد انقاد لدافع اناني دنيء». وهذا هو موقف الاجتهاد اللبناني، إذ جاء في قرار محكمة جنايات لبنان رقم 254 تاريخ 30/10/70 ما يأتي: «... لكن المشترع اللبناني اخذ برأي الفريق الاول الذي اعتمد النظرية الذاتية، كما يستدل من المادة 196 من قانون العقوبات وعليه، وفي نطاق النظرية الذاتية، وخاصة بالنسبة الى الدافع، يتبين من التحقيق ان المتهم اقدم على فعله بدافع الانتصار للقضية الفلسطينية والاحتجاج على مخالفة المبادئ الأساسية للعدالة والانصاف».
وكما القانون والاجتهاد كذلك الفقه، اخذ بهذه النظرية، إذ ورد في كتاب النظرية العامة للجريمة للدكتور مصطفى العوجي ص 225 و226 ما يأتي: «... فتحديد الدافع السياسي مسألة دقيقة، ويمكن تعريفه بصورة عامة بأنه الحافز او الباعث على تحريك الفاعل نحو تحقيق غاية سياسية كإزالة حاكم ظالم يسلك نهجاً سياسياً متطرفاً بدافع انقاذ البلد منه كالحؤول دون وصول شخص الى مركز السلطة لما يتضمنه برنامجه من خطر على الكيان السياسي للدولة. ففي هذه الحالات يكون الدافع ليس تحقيق مأرب شخصي للفاعل، بل غاية مجردة من المصلحة الشخصية ومرتبطة حسب رأيه بمصلحة المجتمع والوطن. وغالباً ما يلاحظ أن الجمهور يشترك مع الفاعل في مثل هذا التحرك، سواء كان هذا الاشتراك بالتحبيذ المضني أو بالتعبير عنه بصورة كالتظاهر والتأييد الشعبي ورفع الشعارت مما يشكل في الواقع مساندة عملية وفعلية للفاعل».
كذلك ورد في الكتاب نفسه صفحة 228 ما يأتي: «... وطالما أن المعيار يتوقف على تحديد الدافع الشخصي ووصف هذا الدافع، فلا بد للقاضي من أن يتحقق أولاً من العلة التي حملت الفاعل على ارتكاب جرمه أو من الغاية القصوى التي توخاها من عمله (المادة 192) حتى إذا ثبت له أنّ هذه العلة أو تلك الغاية كانت سياسية وصف الجرم بأنّه سياسي. وفي سبيل ذلك، لا بد للقاضي من التحري عن العوامل التي ولدت هذا الدافع لتحقيق تلك الغاية وذلك بالرجوع الى ماضي الفاعل واستعراض افعاله وسيرته بالفكرة السياسية التي يدلي بأن تحقيقها دفعه الى ارتكاب جرمه في سبيلها». وعلى ضوء ما تقدم، من تعريف ووصف للجريمة السياسية يظهر بوضوح ان العمل الذي قام به حبيب الشرتوني، ان سلمنا جدلاً باعتباره عملاً جرمياً، هو جرم سياسي ينطبق تماماً على تعريف الحزب السوري القومي الاجتماعي، ومن المعروف أيضاً انّ الركيزة في مبادئ هذا الحزب معرفة أعضائه لهويتهم القومية ولهوية عدوهم الأوحد، اليهود، كذلك من المعروف أنّ من اهم غايات هذا الحزب العمل على توحيد البلاد وليس تجزئتها واسترداد ما غصب من الأرض، وليس التفريط بالمزيد منها. ومع إيمان حبيب المطلق بهذه المبادئ، كان من البديهي أن يعز عليه أن يجد العدو الاسرائيلي يرتع على أرض لبنان «بوقاحة» وذلك بمساهمة ومساعدة قلة من أبنائه، كما كان من البديهي ان يعز عليه ان تصبح هذه القلة تجاه العالم هي الممثلة للشعب والراعية لمصالحه بعدما نصب العدو قائد هذه القلة رئيساً للجمهورية. عز عليه كل هذا، فاتخذ القرار. قرار ان يرتقي الى درجة البطولة بتخليص البلاد من اخطر الأشخاص الذين سبّبوا باحتلالها، فكان بقراره هذا اول من اعلن المقاومة الوطنية بوجه العدو الاسرائيلي.
وهكذا يتبين مما تقدم ان عمل حبيب الشرتوني ناجم عن حافز سياسي من اجل تحقيق غاية شريفة. وقد صرح حبيب عدة مرات، دون خوف او وجل حتى وهو بين أيدي جلاديه:
إنه قتل بشيراً «لأنه باع نفسه لإسرائيل»، مثبتاً بذلك بالفعل أن الحياه هي وقفة عز فقط. ومع ثبوت الحافز السياسي، يكون الفعل إن صح اعتباره جرماً، جرماً سياسياً محضاً.
وأخيراً، ورغم أن قوانين العفو قد تتالت في لبنان وشملت هذه القوانين جميع الجرائم التي حدثت أثناء الحرب الأهلية، بما فيها الجرائم ذات الدافع الدنيء، كما شملت القوانين اللاحقة لفترة الحرب الأهلية جرائم لا تتسم بالصفة السياسية، بل على عكس ذلك هي جرائم تتسم بالصفة الإرهابية، إلا أن من المستغرب أن تبقى جميع هذه القوانين في منأى عن شمول عملية 14 أيلول 1982 بالعفو، بحيث نشعر الآن، نحن من نرى في حبيب الشرتوني بطلاً قومياً انقذ لبنان من شر مستطير، أن من بيدهم القرار يؤيدون قصداً استثناء هذا المقاوم البطل من اي عفو لأن خوفهم على سلطتهم هو أقوى من كلمة حق ينطقون بها عند إقرار قوانين العفو. هذه القوانين التي تبقى متسمة بالبطلان بحكم الدستور الذي كرس في الفقرة الثالثة من مقدمته المساواة بين أفراده دون استنثاء أو تمييز. فهل من يسمع ؟