يفاجئنا عمار ديوب في مقالته المعنونة «عن مسؤولية الجيش الحر» («الأخبار»، العدد 1786 يوم السبت 17 آب 2012) باعترافه المستجد بما يسميها «الممارسات السلبية» و«التجاوزات» و«الأخطاء» لما يسمى «الجيش السوري الحر»، وهي حسب تعبيره «تتحدد بالقتل الطائفي والعنف والخطف والتعذيب وسرقة بيوت الموالين وغير الموالين من العلويين والإسماعيليين والشيعة، عدا عن التشليح وطلب الفدية للإفراج عن المحتجزين لدى الجيش الحر».
المفاجئ في الأمر أنّ عمار ديوب، ومن دأب دأبه من المنظّرين الثورجيين، كانوا على مدى سنة ونصف ينافحون جاهدين في الدفاع عن سلمية «الثورة» وأخلاقيتها ورقيّها، نافين عنها صفتي العسكرة والعنف اللتين ألصقوهما بالنظام المصرّ ـ حسب تنظيراتهم ـ على الحل الأمني العسكري، ليتبين الآن ومن خلال كتابات أولئك المنظّرين أنفسهم أنّ «الجيش الحر» هو مكون أساسي من مكونات «الثورة السلمية»، وأن له أخطاءً وارتكابات وتجاوزات لا تقل شناعة عما حاولوا إلصاقه بالنظام على مدى سنة ونصف، بل وتتجاوزه بأشواط!
قبل سنة وبضعة أشهر، كان ديوب والمنظّرون الآخرون يستنكرون على البعض ـــ وأنا منهم ـــ أن يعبّروا عن خوفهم من شعارات وممارسات كانت قد بدأت تلوح على أرض «الثورة»، ساخرين منا ومن خوفنا، ومعتبرين أنّه في غير محله. واليوم عندما يقرّ ديوب بتلك الممارسات ـــ بعدما أصبحت واضحة وضوح الشمس وليس من الممكن إخفاؤها أو إنكارها ـــ ألا يكون من حقنا عليه أن يعيد النظر في أطروحاته السابقة، وأن يعترف لنا ـــ ولو متأخراً ـــ بحقنا في الخوف على الأقل وبصوابية رؤيتنا منذ البداية إذا أراد؟! ولو أنّه وغيره أقرّوا لنا بذلك الحق في الخوف منذ البداية، والتقطوا طرف الخيط الذي التقطناه، أما كنا وإياهم أقدر على تجنب الوصول إلى هذه المرحلة، عبر لجم تلك الممارسات ووأدها في مرحلتها البرعمية، بدل إنكارها وانتظارها وتركها تتغذى وتتكاثر حتى غدت أدغالاً كثيفة؟!
إذا كان ديوب يرى أنّ ثمة مسؤوليات معينة تقع على عاتق «الجيش الحر» فلماذا لا يرى أنّ ثمة مسؤوليات مماثلة تقع على عاتقه وعاتق المنظّرين تجاه القرّاء والمتابعين الذين يرون شهراً بعد آخر كيف تتهافت تنظيرات، وتتحول مواقف ـــ حسب الموقف ـــ من السلمية إلى تأييد العنف المسلح، ومن إنكار الجرائم إلى الإقرار بها والنصيحة بتلافيها، ومتى؟ بعدما بلغ السيل الزبى!
ولعل قمة التناقض وانعدام المسؤولية عند أولئك المنظّرين تتجلى في ترويجهم السابق لـ«حتمية» نجاح «الثورة» في إسقاط النظام، فإذا بهم اليوم باتوا يشككون بتلك «الحتمية» ويضعون لنجاح «الثورة» شروطاً تعجيزية أو شبه تعجيزية، لا تبدأ بالتدخل الخارجي العسكري، غير الحاسم فيما لو حصل، ولا تنتهي بتقويم سلوك «الثورة» غير القابل لأي تقويم، والمكتوب يُقرأ من عنوانه. ولعل اشتراطاتهم تلك ليست إلا مقدمة لتبرير فشل «ثورتهم» المتوقع والمحتوم، من وجهة نظرنا، أو لتبرير تراجعهم ـــ لاحقاً ـــ عن دعمها، أو حتى التبرؤ منها!
* كاتب سوري