رسالة إلى طرابلس
عزيزتي طرابلس،
عني وعن أهلي وعن كل مسلميك ومسيحييك، أعتذر لأننا سمحنا لأصحاب الذقون الفاجرة بإقفال ساحاتك، وللسلاح بأن يعبر حدودك ويتمركز في بعض أحيائك العتيقة، وينتشر ليصبح على كل شاشة وحديث كل لسان، ليكبر بعض الحثالة ويجد لنفسه الحق في لفظ اسمك والكلام عنك بالعاطل.
كم أحزن حين أسمع هؤلاء الصغار يسمونك «إسلام آباد» أو يتداولون الحديث عن خطرٍ آت إليهم من الشمال... ما أصغرهم، وما أجهلهم بتخلفهم، وما أكبرك بصدرك الرحب، بقلعتك الصليبية وبرجك العربي، بكنائسك وجوامعك، بأسواقك القديمة والجديدة، بمقاهيك العاجّة، وبمينائك الخيّر.
يخاف منك هؤلاء الصغار، يجهلون أنك تمثلين قلب لبنان. وحين كانت الحرب الأهلية حرباً طائفية في كل المناطق، كانت هنا حرباً حزبية بين بعض الزعران الذين لم يميّزوا في همجيتهم بين هذا وذاك.
طرابلس ما أحنّ ميناءك حين كنا نهرب من هموم المراهقة واكتشاف الحياة، ما أجمل جزرك حين كنا نمضي أجمل أيام الصيف تحت الشمس الحارقة فرحين، لا نملك من المال سوى «ألف ليرة أجار التاكسي». ما أبسط أسواقك حين كنا نجمع مصروفنا اليومي لنشتري الثياب والهدايا لأصحابنا... لي فيك يا طرابلس ما لكل طفل في حضن أمه، ما لكل يتيم في قلب من تبنّاه؛ جاءك أهلي من قرى عكار طالبين الثقافة والعلم لأولادهم، ولم تكوني يوماً سوى القلب الحنون والصدر الرحب.
«أنت يا فيحاء عندي في العلا قلعة مجدي»، كما قال الشاعر. نعم إنك قلعتي، ومدارسك هي جنّة طفولتي، خصوصاً مدرسة راهبات العائلة المقدسة التي جمعتني بأصدقاء حياتي، وتلك الجامعة التي جمعتني بالعلم والمعرفة والإصرار، ذلك الصرح الذي أفتخر بأني كنت يوماً أحد تلاميذه.
أعذريني حين ظننت أن أهلك ليسوا أطيب الناس. سامحيني لأني ظننت يوماً أن فيك من الطائفية شعرة... فأنا حين رأيت العالم عرفت أين هي الطيبة الحقيقية ومن هو المتعايش الحقيقي.
أعتذر ويبكي قلبي لرؤية هذه الجحافل القذرة تقف في وسط ساحتك وقفة الجرذ على ساحة القمامة يشتم ما بقي من طعام الناس لينقض وينتقم بأسنانه من فرحهم ثم يتسلل إلى بيوتهم ليسمّم طعامهم ويضرب بيوتهم بأمراضه القذرة.
ما بالهم فيك يا طرابلس، فأنت في العلا قلعة مجدي. أنت طرابلس الفيحاء، فليرحل عنك هؤلاء السلفيون. ليذهبوا إلى مرتعهم. ليلجأوا إلى آبائهم الروحيين أولئك الذين أعطوهم المال والسلاح والرجعية.
طرابلس لا تخافي. مرحلة التسنّن والتشيّع والتمسّح ستزول، وسيعود أهلك مثالاً لكل لبناني يدّعي التعايش ومحبة الآخر.
سوزان جديد