لا شك في أنّ مشاهد شابات فلسطين المحتلة وشبابها، وهم يجددون انفجار غضبهم على العدو، تعيد لنا صورة الشعب المناضل، مثل كل الشعوب المقهورة الساعية للتحرر، الذي لا يمل من التضحيات ولا يمنعه حجمها وهولها من الاستمرار في معركة غير متكافئة. معركة شعب أعزل مقهور ضد عدو عنصري غاصب منحته الدول الاستعمارية، ومعها أنظمة سايكس بيكو من بقايا الإقطاع وأعراب الجزيرة التكفيريين والسلطة الذيلية، كل المسوغات لارتكاب أشكال الجرائم الفردية والجماعية كافة التي عرفها تاريخ البشرية الإجرامي بحق كل من يعاديه.
صحيح أن الفتيل الذي أشعل الانفجار المتجدد كان العدوان الصهيوني المغتصِب على الحرم الشريف، لكن ذلك تعبير مكثف عن معركة على مجمل أشكال اضطهاد العدو الصهيوني والمتعاونين معه، كان اسمهم ما كان. نقول ذلك لأنه ثمة قُصَّر من القابعين لدى أعراب النفط في فنادق السبع نجوم الذين يرسلون شباب فلسطين للقتال في سورية وفي اليمن إلى جانب أسيادهم، يحاولون مصادرة هذه المعركة لأهداف طائفية ومذهبية خبيثة ويسعون لتنصيب أنفسهم قادة كل حراك وناطقين باسمه.
نكتفي بهذا الموضوع الآن. حقيقة نود تجديد التذكير بها: الأعراب التكفيريون لا يكترثون لا بمسجد أقصى ولا بمسجد أدنى، فهم قد أعلنوا منذ أن ابتلينا بهم أن لا مقدس لهم سوى أنفسهم. فعلى سبيل المثال، لم يحترموا مقام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) عندما أعملوا فيه تدميراً ونهباً إبان غزوهم النجف، ولا احترموا مقامات الصحابة التي بقيت شاهداً على عمق تاريخ هذه الأمة وتواصله مع الحاضر؛ وها هم قد أعملوا تدميراً في مكة المكرمة وقضوا على كل ما يذكر بتاريخها المجيد، ويعدون العدة لإعادة محاولة هدم قبر النبي محمد (ص) في المدينة المنورة، فقط بهدف إلغاء التاريخ القويم والادعاء أنهم هم بداية التاريخ ونهايته.
وللتذكير أيضاً: أبواق أعراب الغزو والنهب التكفيريين أعلنوا منذ البدايات أنهم لا يقيمون أي وزن للحرم الشريف أو للقدس، ويعدون كفراً أي قول عن أرض فلسطين المقدسة، رغم ما أجمعت عليه الأمة منذ صدر الإسلام.
ولنتذكر أيضاً أن أولئك الأعراب أنفسهم قد تجاهلوا قيام هنود متطرفين في مطلع تسعينيات القرن الماضي بهدم مسجد بابري، كذلك ما تبع ذلك من قيام بنغال مسلمين متطرفين بجرائم إحراق هندوس ومعابدهم الذي تلا تلك الجريمة.
مقابل ذلك، هل ننسى كيف تدافع ممثلو قادة إسلاميي الناتو في عام 2001 لاستجداء قادة طالبان التراجع عن عزمهم ارتكاب جريمة جديدة بحق الحضارة الإنسانية وتدمير تمثالي بوذا باميان! لقد هرولوا إلى كابول ليثبتوا للسيد الأبيض التزامهم المطلق بكل ما يهمه. لكن عندما أقدم تنظيم «الدولة» على تدمير آثار مدينة تدمر، لم يكترث أحد منهم بالأمر. فالمسألة هنا تتعلق بأثر حضاري سوري ولا علاقة للرجل الأبيض به؛ أكثر من هذا، تدمر، مدينة، لكنها ترمز إلى حضارة المشرق التي تحدت الغرب الإمبراطوري الروماني، ولذا فإنها لا تدخل ضمن اهتمامات إسلاميي الناتو من الأعراب التكفيريين.
نجدد التذكير بهذه الحقائق الآن للقول لشعبنا المقهور إن لا فائدة من مناشدة التكفيريين من الأعراب التحرك لنصرتهم. فمقدساتنا، وكل ما هو ثمين في عيون شعوبنا، لا يهمهم، ولم يهمهم يوماً. فهل يظن أحدٌ أن أي من قادة أولئك الأعراب التكفيريين يسأل عن فلسطين وما يحل بشعبنا! لا، فهمهم الوحيد الذي يفكرون فيه، ليلاً نهاراً، هو الصفقات والعمولات والأموال التي سينهبونها من ثروات أشقائنا في مختلف بقاع جزيرة العرب، وعن الحريم والغلمان الذين سيواصلون تكديسهم كالأرائك في قصورهم التي تعكس نهماً وشبقاً لا حدود لهما: لذا، يا شعب فلسطين: «اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق».
لقد كُتب على أبناء فلسطين، منذ أن استعادها أبناؤها بقيادة الناصر صلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس، أن يكونوا حراس الأرض المقدسة، اليهودية والمسيحية والإسلامية، وعلى عاتقهم يقع واجب دحر العدو الصهيوني والقضاء على كيانه المصطنع، العنصري.