المسلمون دعاة وحدة وتفاهم
صورة سوداويّة أطلقها الأستاذ جان عزيز في «الأخبار» (الجمعة الماضي) حول حتميّة الصراع السنّي ــــ الشيعي الذي سيحرق البلد في حرب محتومة، يتمناها ويتخيّلها هو ومن معه وحوله، ويبنون خياراتهم وتفاهماتهم محليّاً وإقليميّاً على هذا الوهم.
فليطمئن الحالمون إلى أنّ المسلمين في لبنان، خصوصاً أهل السنّة والجماعة والشيعة، دعاة وحدة وتفاهم على صعيد الوطن والأمّة، وليسوا أدوات حرق وتنازع، والتباين بينهم طبيعي سواء السياسي أو من منظور وتراكم تاريخي، وهو على الرغم من خطئه واستغلاله من بعض ضعاف النفوس، يبقى أقل من الاختلاف بين الكاثوليكيّة والبروتستانتية أو بين الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة، وهذا التباين ليس بالضرورة أن يكون أداة قاتلة لحرق البلاد وقتل العباد في بلد كلبنان قدره أن يحمل رسالة التفاهم، وأن يكون نموذجاً لتعايش وتعاون أتباع الديانات التي بشّر بها رسل وأنبياء لا نفرّق بينهم.
لبنان النموذج هو نقيض حتمي لكيان الحركة الصهيونيّة، وثلاثيّة الخوف (التهجير والحرب الأهليّة والتقسيم) حيال الأحداث في سوريا التي أطلقها الكاتب ليست مسيحيّة فحسب، بل هي هاجس اللبنانييّن والسوريّين والعرب عموماً، والوجود بل الحضور المسيحي في لبنان والوطن العربي، ضرورة وطنيّة حافظ عليها هذا الشرق العربي في عهود الخلافة المتعدّدة حتّى السلطنة المتأخّرة.
وخير هي البشرى التي أشار إليها الكاتب بشأن الحوار المعمّق بين حزب الله وبكركي. فالحوار والتفاهم والتعارف هي مسلّمات عند المسلمين عقيدة وسلوكاً، والمهم في هذا الحوار الخفي أن يكون عاماً يعني اللبنانييّن جميعاً لدفعهم نحو بناء الدولة المدنيّة الحديثة، حيث لا استقواء ولا استعلاء ولا محاور إقليميّة أو دوليّة و لا سلاح خارج إطار مؤسّسات الدولة. فمقاتلة العدو الصهيوني مسؤوليّة وطنيّة، بل هي واجب الأمّة عربياً وإسلاميّاً، وليست حكراً على فئة.
وعقلنة الخطاب والحوار ضرورة لبنانيّة جامعة للخروج من مستنقع المحاور المحليّة والإقليميّة، ومن كهوف المصالح الضيّقة والعصبيّات الجامحة. والرؤوس الحامية مطلوبة إذا كان همّها بناء دولة المؤسّسات، والثائر الأبدي لا بدّ أن يدرك أنّه لا يمكن أن يغطّي شمس الحقيقة بغربال الأوهام، وأنّ لبنان لا يمكن أن يكون وطناً إلا بالمساواة والحريّة لجميع أبنائه، ولا يمكن فئة أن تبني الوطن على مقاس مصالحها وتفاهماتها وصداقاتها خارج حدود هذا الوطن وعمقه العربي.
فليرتح أصحاب الخيارات أنّ خيارنا واحد كلبنانيّين، فلا رحيل ولا تهجير، وكذبة دين براون الأميركيّة لن تتكرّر مهما كانت الظروف.
المحامي مرهف خلدون عريمط