هل مخيم نهر البارد وكر إرهاب أم ضحية ظلم وحصار؟ لطالما طغى اللغط والتعتيم الإعلامي على كل ما يحدث في المخيم، وهو ما نراه مع الأحداث التي اندلعت منذ أسبوع تقريباً. هذا التعتيم هو الشريك الأساسي في جرائم قتل الأبرياء في المخيمات الفلسطينية في الفترة الاخيرة. لذلك لا بد من توضيح بعض الأمور، ليعرف كل من يبحث عمّا حدث ويحدث في مخيم نهر البارد الحقيقة، وليس أي أمر آخر. بداية، إنّ المخيم منزوع السلاح منذ 2007، وهو محاصر حصاراً شديداً جداً، إذ لا يستطيع أي أحد أن يدخله أو يخرج منه من دون المرور عبر الجيش اللبناني. وكل الكلام على اشتباكات يوحي بوجود سلاح عند الفلسطينيين موجه ضد الجيش، هو كذب وافتراء، يستهدف زرع الحقد في قلوب إخواننا اللبنانيين.

ثانياً، لا يسمح لأيّ فلسطيني بالدخول إلى المخيم، ولو كان من سكانه، إلا بتصريح عسكري، كما لا يسمح لأي أحد من أقارب ساكني المخيم بدخول المخيم في حال جاؤوا للزيارة من مخيم آخر، إلا بحصولهم على تصريح عسكري، وذلك لأنّ المخيم منذ 2007 يعتبر منطقة عسكرية، وتطبّق عليه أحكام الحالة العسكرية، إلا أنّه يسمح للبناني بالدخول إلى المخيم فقط بإبراز هويته الشخصية، حتى لو لم يكن من سكان المخيم، أو حتى لم يكن من سكان لبنان. كذلك جرى التحفظ على المقبرة القديمة ولا يُدخل اليها إلا في يوم العيد فقط، وبعد إذن الجيش.
ثالثاً، يحتاج الجيش اللبناني إلى قرار سياسي لإطلاق النار على أي أحد أو منطقة أو مجموعة، كما هي الحال في جبل محسن والتبانة، ولو كانوا معتدين على الجيش. وكلنا رأينا كيف وقف الجيش متفرجاً في طريق الجديدة في الأحداث الأخيرة. إلا أنّه لا يحتاج إلى قرار سياسي ولا إلى غيره، لإطلاق النار على الفلسطينيين والسبب بسيط جداً، إذ ليس لهم أي ظهر أو سند يدافع عنهم، أقلّه بالكلام.
رابعاً، لا يقنعني أحد أنّ مجرد رشق الجيش بالحجارة أو إطلاق الشتيمة، يبرر إطلاق النار على مجموعة من الشباب ومعظمهم دون العشرين. ولمن لا يعلمون، أقول لهم إنّ الشاب الذي استشهد في المخيم عمره 16 عاماً، ومات إثر إصابة مباشرة في الرأس. وكل الإصابات التي جرت معاينتها بعد التشييع كانت في الصدر والقلب، وأدت إلى استشهاد شاب آخر أيضاً. كذلك الشاب الذي استشهد في مخيم عين الحلوة لم يُقتل بالسكين وفق رواية «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، بل قُتل بطلق ناري في الرقبة، من رشاش «إم 16».
أخيراً، سأخبركم قصة حدثت معي، وتحدث يومياً مع سكان مخيم عين الحلوة. أنا متزوج من امرأة أجنبية، ولا تستطيع زوجتي الدخول إلى المخيم إلا بتصريح (وأنا لا مشكلة لدي في إصدار التصريح لها، حتى ولو اتهمت بالتجسس على أهلي وأصدقائي من سكان المخيم لمصلحة استخبارات الدولة اللبنانية). عندما ذهبت لاستصدار التصريح، بدأ الضابط بطرح أسئلة شخصية، من شاكلة «كيف ومتى وأين تعرفت على زوجتك؟». طبعاً كنت أسرع بالإجابة عن كل أسئلته، إذ كنت مستعجلاً وزوجتي تنتظرني في أحد المطاعم في صيدا، ولا أريد أن أتأخر عليها، وأن أنهي التصريح بسرعة. بعد أن أجبت عن جميع الأسئلة التي ليست إلا وسيلة من وسائل الإهانة، طلب الضابط مني إحضار زوجتي إلى مكتب الاستخبارات في الثكنة العسكرية. لكني لم أقبل أن تأتي زوجتي إلى مكان يجري فيه التحقيق مع المجرمين. ولهذا ذهبت ولم أعد لكي أحصل على تصريح، وبقيت خارج المخيم مع زوجتي في بيت أحد الأقرباء، حتى قام شخص آخر بإصدار التصريح وعبر الهاتف، ما يعني أنّ التصريح ليس إلا وسيلة إذلال ولا صلة له بالدواعي الأمنية، مثلما يقال. ختاماً، أقول إنّ كل من يقبل مثل هذا الذل الذي يعيشه اللاجئ الفلسطيني في لبنان، فليبحث عن كرامته قبل أن يرشقنا باتهامات الفتنة المذهبية والطائفيّة التي ليست من شيم الشعب الفلسطيني.
* لاجئ فلسطيني من طبريا، مقيم
في مخيم عين الحلوة