مات نايف بن عبد العزيز، بعد أسابيع فقط من إعلان رسمي من شقيقه الأمير أحمد أنّه «بصحة جيّدة»، وأنّه سيعود قريباً إلى وطنه. وكان أن عاد جثّة هامدة. صحيفة سعوديّة صادرة بالإنكليزيّة عنوَنت أنّ وفاته صدمة. موت أمير سعودي حدث جلل في الصحافة العربيّة: يؤدّي إلى غزارة في الطباعة والكتابة وفي إهراق الدموع. موت الأمير السعودي (ولأي سبب) يُعدّ كارثة قوميّة حلّت بالأمّة. أحد أتباع آل سعود على «تويتر» قال إنّ نايف كان يمتلك خطة سريّة لتحرير فلسطين (لم يكن يمزح). التملّق سمة الموسم. ولبنان (المقيم والمهاجر في صحافة النفط والغاز) يسهم أكثر من غيره، وذلك بسبب عراقة في الامتهان والارتزاق والتزلّف والنفاق والاستزلام والخبث في تاريخه المعاصر.يطلع مثلاً نهاد المشنوق على شاشة «إم.تي.في» ويحلّل وينظّر ويروي عن تداول السلطة في السعوديّة، وكأنّ أحداً غير بضعة أمراء يعلم شيئاً عنها. حتى الأمير طلال يعترف بأنّ أحداً من الأخوة لا يُستشار (الأمير طلال ينتقد ثم ينام نومة أهل الكهف). لا، يذهب المشنوق أبعد من ذلك بكثير، ويقول إنّ هناك «آليّة دستوريّة» في المملكة تتولّى تعيين الخلف. نسي المشنوق في ساعة النحيب على نايف أنّ لا دستور في المملكة (بالرغم من وضع مجموعة أحكام أساسيّة لا قيمة لها): يقول آل سعود («أصحابك يا نهاد») إنّ القرآن هو دستورهم، لكن ماذا تقول في المشنوق الذي كان (باعترافه الصريح) صديقاً ونصيراً لرستم غزالة قبل أن يحوّل نفسه (بأمر أميري) إلى «ثائر» في سوريا، ومعارض لهيمنة النظام السوري (بعد بضع سنوات من رحيل الجيش السوري عن لبنان)؟ لكن محطة الملك فهد، «العربيّة»، تحدّثت عن «آليّة ديموقراطيّة سلسة» في المملكة. جان جاك بن روسو آل سعود استوى على العرش السعودي. فؤاد السنيورة يُغفر له تفجّعه طبعاً وهو الذي أنعم بشهادة دكتوراه فخريّة من الجامعة اللبنانيّة على أمير أمّي (خرّيج «مدرسة الأمراء» في الرياض، التي قد تكون تملك من أفلام البورنو أكثر مما تملك من كتب الأدب والمعرفة، لكن للأمير نايف جامعة باسمه متخصّصة في شؤون الأمن والتعذيب، ويجلس في مجلس إدارتها أشرف ريفي ومصطفى البرغوثي). السنيورة يكاد يغشى عليه. وليد جنبلاط عبّر عن شديد ألمه في البرقيّة التي طيّرها إلى القيادة السعوديّة (لم يحدّد الوجهة لأنّ الحكم لا يزال يمارس القطيعة معه بالرغم من كثرة الاستجداء والاستعطاء والانحناء). مستشار جنبلاط لشؤون الطائرة الخاصّة، نعمة طعمة، أكّد أنّ نايف سيبقى في «القلوب»، فيما كاد غازي العريضي أن ينهار على كتف السفير السعودي في لبنان وهو يقدّم العزاء. جنبلاط انتحب عندما ماتت الأميرة سيطة ــ التي لم يلتقها في حياته ــ وهو سينتحب أكثر لوفاة رجل قد يكون صافحه مرّة أو مرتين. أما طارق متري ــ الذي طار على عجل للتعزية بالأمير سلطان ــ فقد اكتفى هذه المرّة بتطيير برقيّة مقتبسة من مرثيّات الخنساء إلى القيادة السعوديّة. ونجيب ميقاتي ــ الذي وُضع عليه فيتو في المملكة، والذي لم يُسمح له بلقاء أي أمير في السعوديّة منذ تبوّئه منصب رئاسة الحكومة ــ طار على عجل إلى السعوديّة ليقدّم واجب العزاء، لكنّه غاب عن الصور الرسميّة لمشهد حفل العزاء: لعلّهم وضعوه في قسم العامّة إمعاناً في الإذلال. وقادة بعض المعارضة في سوريا يتعلّمون من أقرانهم في 14 آذار (الفرع اللبناني) الكثير: فالجيش السوري الحرّ أصدر بياناً خاصّاً بالمناسبة على ورقة مبلّلة بالدموع، فيما قرأ «ثوّار» الحولة بياناً خاصّاً على الملأ (قل إنّها «ثورة» تحظى برعاية آل سعود _ ماذا كان غيفارا أو جورج حبش سيقول في هؤلاء الذي يتلطّون وراء شعارات «الثورة»)؟ وقد قامت فرقة من المرتزقة في سوريا بإطلاق اسم نايف على كتيبة «ثوريّة». وبشّار الأسد لا يتوقّف عن إظهار المودّة وعن إعلان الرغبة في التقرّب من آل سعود، حتى فيما يجاهر قادة السعوديّة بدعمهم لحركة مسلّحة ضد نظامه. لعلّه لم يلاحظ تصريحات سعود الفيصل: لعل لقاءات بشّار مع ملحم بركات وطلال أرسلان تأخذ الكثير من وقته الثمين.
أما عن الصحافيّين العرب في أبواق أمراء آل سعود، فحدّث مع الكثير من الحرج. هاكم جهاد الخازن يكتب في جريدة الأمير خالد بن سلطان: «أنا لم أفق بعد من رحيل الأمير سلطان بن عبد العزيز، ثم أُصدم بوفاة الأمير نايف، شقيقه. أعرف أنّ الموت حق، إلا أن من حقي أن أحزن، أن أتألّم، أن أسترجع ذكريات عزيزة على قلبي مع الأمير الراحل». قرأت كلام الخازن وتذكّرت أنّني في التسعينيات قرأت له رثاءً عاطفيّاً (كعادته) في وفاة واحد من أمراء النفط والغاز. لم ألتق الخازن في حياتي، لكنني أرسلت إليه قائلاً: هل هناك أمير نفطي يموت لا تجد فيه نبوغاً وعبقريّة ونبلاً، ولا تقول لقرّائك إنّه كان يعدّ خطة سريّة لتحرير فلسطين لو كُتب له أن يعيش سنوات أكثر؟ أذكر أنّه أجابني قائلاً: ماذا أقول؟ معك حق، أو كلام من هذا القبيل.
لكن التزلّف والانحناء لآل سعود ليس من شيم العرب وحدهم، فقادة دول الغرب ــ هؤلاء الذين يكذبون يوميّاً في إصدار بيانات وتصريحات عن الديموقراطيّة والإصلاح في عالمنا العربي ــ أظهروا من الألم والأسى ما أظهره قادة 14 آذار في سوريا ولبنان. الرئيس الفرنسي الجديد (وهو في القصر من أيّام فقط) وصفه بـ«الصديق». هل مشى هولاند معه تحت ضوء القمر مُمسكاً بيده، كما فعل صديق آخر له، أعني جورج بوش؟ الإدارة الأميركيّة كادت تخرّ مغشيّاً عليها من التأثّر. وقد تحصل السعوديّة على أسعار مخفّضة في مشترياتها من الأسلحة من باب تقديم واجب العزاء من قبل حكومات الغرب. إن وضع حكومات الخليج مميّز، وتدحض هذه الحظوة كل الخطاب السياسي الموجّه للعرب من حكومات الغرب. يستطيع جورج بوش أن يصيح صبحاً ومساءً عن محاسن الحريّة، لكن مشهد مسيره في مزرعة تكساس ممسكاً بيد الملك السعودي، يزيل كلّ مضمون خطابه السياسي. وانحناءة باراك أوباما أمام الملك السعودي في سنة حكمه الأولى أبلغ بكثير من خطابه في جامعة القاهرة (الذي لا يتذكّر منه العرب كلمة واحدة ــ وهذا دليل عافية عقليّة).
لا تجرؤ الصحافة العربيّة على تناول مواضيع الحكم في السعودية. مذيعة «العربيّة» سألت ببراءة ضيفاً سعوديّاً عن سبب وفاة نايف فأجابها بصلف أنّ السبب ليس مهمّاً إطلاقاً، وأنّ لا داعي إلى الجواب. التفجّع مسموح به، لكن من دون أسئلة. الصحافة العربية تنتهج قراءة بيانات وكالة الأخبار السعوديّة في ما يتعلّق بالسعوديّة، واستضافة جيش الصحافيّين اللبنانيّين (في أكثرهم) من جنود أمراء آل سعود لإطناب المديح في مَن وُلد من آل سعود، وفي من لم يولد بعد. نايف كان الحاكم الفعلي في المملكة على مرّ السنوات الأخيرة، مما يعني أنّ غيابه سيؤثّر على مسار الحكم، مع أنّ الأشقاء الأقوياء لم يسمحوا بظهور خلافاتهم إلى العلن (باستثناء الأمير طلال، الذي لا يزال يعاني، هو وأخوه بدر، من حظر على تسلّم مناصب رفيعة، وذلك عقوبة لهما على انضمامهما ــ مهما حاول طلال أن يتناسى ــ لجمال عبد الناصر في مرحلة الستينيات). ليس الملك عبد الله في حال تسمح له بمتابعة شؤون الحكم بتفاصليها: ترك الأمور لنايف، كما أنّ سعود الفيصل يتابع ملف السياسة الخارجيّة (لكن الملك لا يزال يستطيع أن يؤثّر متى شاء، كما فعل في مبادرة المصالحة القصيرة مع سوريا قبل نحو سنتيْن ــ وقد فوجئ الفيصل بتلك المبادرة).
ليس هناك من الأمراء من هو مكروه أكثر من نايف بن عبد العزيز. وقد يكون قرار عبد الله (الذي يعاني ضعفاً في الموقع داخل العائلة لأن ليس له أشقّاء) بتعيين نايف لا سلمان بعد وفاة سلطان ضربة أكيدة للجناح السديري (هؤلاء الذين يتحدّرون من الأم المحظيّة، حصّة بنت السديري، والذين شكّلوا أقوى جناح في داخل العائلة). إنّ تقديم نايف على سلمان كان بهدف تقويض دعائم الجناح: علم عبد الله أنّه ليس بمستطاعه تجاهل الجناح بالكامل، فانتقى منه الأقل شعبيّة. نايف عمل عقوداً في إدارة وزارة الداخليّة: أي إنّه «هملر» المملكة، الذي أشرف على كل عمليّات القمع والقتل والتعذيب في أقبية وزارة الداخليّة التي يهابها الشعب السعودي. والرجل فظّ وقاسٍ وجاف وغير ودود (وهو خلافاً للأمراء الكبار لم يلعب لعبة الأمراء في بناء صروح إعلاميّة لتلهج بحمده، لكنّه قريب من أخيه سلمان صاحب الإمبراطوريّة الإعلاميّة). والإعلام العربي تحدّث عن أنّ نايف هو أقدم وزير داخليّة في العالم، وكأنّ ذلك فضيلة لا نقيصة في الحكم. لقد تمرّس نايف في القمع والتنكيل، وكان هذا هو اختصاصه الفعلي، كما أنّه كان الأكثر محافظة في عائلة غارقة في المحافظة (والكلام عن نزعات إصلاحيّة وعن فوارق بين الأمراء هو مثل التمييز بين الصف الثاني من الحكم الهتلري في ألمانيا). نايف كان قريباً جدّاً من المؤسّسة الدينيّة ومتعاوناً معها. وكان قد اتهم مؤامرة يهوديّة بتدبير تفجيرات 11 أيلول في أميركا، لكن الأمير لم يلقَ اعتراضاً هنا لأنّ كل تصريحات آل سعود وجرائمهم تُغفر لهم، وخصوصاً أنّ العائلة قرّرت بعد 11 أيلول أنّ الطريق إلى قلب واشنطن يمرّ عبر تكثيف التنسيق مع تل أبيب. ووزارة الداخليّة السعوديّة باتت فرعاً من مكتب التحقيقات الفدرالي. وتسريبات «ويكيليكس» أظهرت أنّ نايف هو أكثر تعاوناً مع الحكومة الأميركيّة مما يُكتب في الإعلام أحياناً.
لم يكن تعيين سلمان خلفاً في ولاية العهد مفاجئاً. والرجل ليس مكروهاً في السعوديّة، وخصوصاً أنّ أولاده نأوا بأنفسهم عن الفضائح الشخصيّة والماليّة والجنسيّة التي لاحقت الكثير من أمراء آل سعود. لعلّ تعيينه في المسؤوليّة فرض عليه انضباطاً معيّناً، أو أنّ تعيينه جاء بناءً على انضباط عائلي نادر. وسلمان كما هو ظاهر في إعلامه (مثل «الشرق الأوسط»)، محافظ ويميني وطائفي مذهبي، ويريد أن يذهب بالعلاقة مع أميركا إلى الحدّ الأقصى، كما أنّه يمثّل الجناح الليكودي في العلاقة مع العدوّ: لا يرى عدّواً إلا في إيران. وقد أخبرني سفير أميركي سابق في السعوديّة، أنّ سلمان يتصرّف ويمشي ويتحرّك على أنّه «الملك المقبل»، لكن تقدّم السن لا يضمن المناصب الرفيعة هناك، وخصوصاً أنّ التشبّث بالتقاليد القبليّة والالتزام باحترام الأعمار والأقدميّة، بصرف النظر عن المواهب والكفاءات (وهي نسبيّة في تلك العائلة) يمنع الاستعانة بالجيل الثاني في المناصب الأرفع في المملكة. والنسب أهم من الأعمار في المملكة: فالأمير خالد الفيصل، مثلاً، أكبر سنّاً من أحمد ومقرن، عمّيه. ولا يمكن تقديم خالد على أحمد أو مقرن، إلا إذا تطوّع الرجلان بذلك، وهذا نادر (تخلّى الأمير محمّد عن حقّه في المُلك بعد وفاة فيصل كي يصل أخوه خالد إلى العرش).
ولم يكن تعيين أحمد في منصب وزير الداخليّة الأمير نايف مفاجئاً، لأنّه عمل في المنصب لسنوات طويلة. من المؤكّد أنّ الحكومة الأميركيّة دفعت باتجاه تعيين الأمير محمّد بن نايف، لكن العائلة في مسائل التعيينات تلتزم نصوص التقاليد القبليّة السحيقة. قل (وقولي) إنّها مملكة تأبى بإباء وشمم التطوّر والتقدّم، لكن محمد هو المدير الفعلي للوزارة، وأميركا تغدق المديح على أدائه. والأنظار ستترقّب تعيين الرجل الذي سيلي سلمان في سلّم التراتبيّة، وقد يستغرق ذلك بعض الوقت (لكن من المرجّح أن يكون مقرن لأنّه حليف ــ من دون أشقّاء ــ للملك، مع أنّ أمه يمنيّة وفي هذا نقيصة عند العائلة). من المستبعد جدّاً أن يحظى أحمد بالمنصب لأنّه ينتمي إلى الجناح السديري: يستطيع الملك الذي يتجاهل هيئة البيعة أن يعيّن ابناً له، لكن ذلك يخرق تقاليد العائلة ويسارع في إشهار السيوف التي لا بدّ أن تُشهر في مرحلة الجيل الثاني من الحكّام. قد يلجأ عبد الله إلى تعيين حليفه مقرن في المنصب، مع أنّه لا يتمتّع بالكثير من الصلاحيات في إدارة الاستخبارات، التي استولى على بعض منها سعود الفيصل في الأعوام الماضية.
الصراع الذي يلمح إليه الأمير طلال مؤجّل حتى يصل الحكم إلى الجيل الثاني. الجيل الأوّل ضمّ أشقاء، أما الجيل الثاني، فيضم مجموعة متنافرة من الأقارب المتصارعين. الأمير تركي على خلاف مع ابن عمّه (وزوج شقيقته) الأمير بندر، مثلاً. والأمير خالد بن سلطان ليس على وفاق مع أخيه غير الشقيق الأمير بندر، والأمير خالد أقرب إلى السديريّين. كيف ستتفق كل تلك الأجنحة على رجل واحد؟ ما هي الآليّة المتبعة؟ أثبتت هيئة البيعة أنّها موجودة على الورق فقط، وأنّ الملك يقرر بعد أن يتشاور مع من يشاء من أشقائه.
هناك فروق في السياسة الداخليّة والخارجيّة بين الأمراء. نايف كان من مناصري الصلح مع الحكم القطري، وسعى إليه لأنّه رأى شرّاً في دور «الجزيرة»، وكان منزعجاً جدّاً من استضافة معارضين سعوديّين على شاشتها. سلمان، في المقابل، كان معارضاً للصلح مع قطر، وكان متصلّباً حتى النهاية، رافضاً دفن الخلاف العميق. وفي السياسة العامّة، كان نايف (وخصوصاً بعد 11 أيلول) مجاهراً بنقمته على الإخوان المسلمين، فيما لا يزال مقرن متعاوناً مع الإخوان في أكثر من ساحة عربيّة. طبعاً، تجمع العائلة على مسلّمات في السياسة الداخليّة (القمع والتزمّت) وفي السياسة الخارجيّة (التحالف الوثيق مع أميركا وإسرائيل راهناً).
ليست الخلافة في السعوديّة أمراً يخص السعوديّة. المملكة منذ الخمسينيات (بعد توكيل الولايات المتحدة لها في شؤون العقد الفرعي للحرب الباردة في المنطقة) تتدخّل في كل شاردة وواردة في البلاد العربيّة، وهي تخوض كل انتخابات في أي بلد عربي يسمح بإجراء انتخابات. الأمير مقرن كان الناخب الأكبر في مصر (لصالح شفيق)، كما كان الناخب الأكبر في لبنان في 2009 إلى جانب فريق 14 آذار). السعوديّة تحافظ على النظام الإقليمي القمعي الذي تعرّض لاختلال منذ سقوط مبارك (وبن علي أيضاً، لكن سقوط مبارك كان مدويّاً أكثر لأنه أقلق راحة أميركا وإسرائيل).
الانتفاضات العربيّة تدخل مرحلة حرجة. المجلس العسكري (أثناء وجود طنطاوي في السعوديّة للمشاركة في التفجع على فقيد القمع العربي) أصدر جملة من القرارات (بالاتفاق مع قضاء مبارك) للاستيلاء الصريح على السلطة، وتجاهل إرادة الشعب. النظام العربي القمعي حاجة أميركيّة ــ إسرائيليّة. لم تسلّم أميركا وإسرائيل والسعوديّة بسقوط نظام مبارك، وهي تفعل المستحيل لإنقاذه. والحكم السعودي يزداد شراسة، لكنْ هناك تصدّع أيضاً في جسم النظام العربي. هناك بوادر لفتور في الحلف السعودي _ القطري، كما أنّ الخلافات بين مختلف دول مجلس التعاون تزداد: والصحافة السعوديّة تجاهر بانتقاد النظام العماني (طبعاً، بطريقة طائفيّة مذهبيّة على طريقة إعلام آل سعود المقيت). لن تترك الولايات المتحدة السعوديّة بيد آل سعود: ستتدخّل في المرحلة اللاحقة، وخصوصاً أنّها لا تثق بحكمة أمراء آل سعود ولا بقدرتهم. قد تضطر الولايات المتحدة إلى تنفيذ خطط (موضوعة) من أجل نشر قوات أميركيّة للسيطرة على المملكة إذا تعرّض الحكم للاهتزاز. يعلم آل سعود ذلك ويحضّرون له: إنّ المشتريات الهائلة من المملكة للأسلحة المتطوّرة هي من أجل إعدادها للاستعمال الأميركي في حالات الضرورة. يموت أمير ويصعد أمير ويُتوّج أمير آخر. والأميرات والأمراء يجولون في دول الأرض ينفقون ثروات الشعب السعودي. وكلما صعد أمير أو مات آخر يأتي (في الإعلام العربي والغربي) من يُفتي أنّ الرجل كان إصلاحيّاً. تسأل: إذا كان كل أمير وملك من آل سعود إصلاحياً، فمن المسؤول عن هذا القهر والقمع والتزمّت في واحدة من أكثر الدول قمعاً حول العالم؟ وكلما تبوّأ أمير منصباً، تنافست أبواق الأسرة (في إعلام الأسرة): واحد يقول إنّ المرحوم آية في الظرف والجمال، وآخر يقول إنّ خلفه آية في الحكمة والحنكة. وآخر يقول إنّ سلمان له خبرة في الأسفار وكأنّ أحداً من هؤلاء الأمراء يطيق العيش في المملكة لأكثر من أسابيع. وكيف تزدهر مواخير الغرب وملاهيه وفنادقه بدون أمراء آل سعود؟ كانت مدن وقرى بحالها في «ماربيا» تنتظر الصيف بسبب إنفاق الملك فهد.
لا حاجة إلى الانتظار. ما همّ لو مات أمير وخلفه أخ غير شقيق له. حرب أحفاد سعود ستستعر، وفي هذا فائدة جمّة لنا جميعاً.
* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا
(موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)