لم تحصد الشعوب من الربيع العربي ما زرعته في بداية انطلاق ثوراتها، فبذور الحرية والمواطنة والمساواة أثمرت فقط إطاحة طغاة جثموا على صدور شعوبهم عقوداً مليئة بالظلم والفساد والانتهاكات الإنسانية، بالإضافة إلى حالات الفوضى وركوب البعض للثورات واستغلالهم لمجهود الشباب العربي بغية الوصول إلى السلطة. وخلال الثورات، كثر الحديث بين الأحزاب السياسية الإسلامية المعارضة وغيرها، ولا سيما في سوريا، عن الدولة المدنية البديلة للأنظمة الديكتاتورية، لكن دائماً كانت ترتبط هذه الدولة المدنية بمرجعية إسلامية حسب وصف تلك القوى، بينما تبقى فكرة «الدولة العلمانية» مغيّبة أو يكاد لا يجرؤ أحد على طرحها!
وربما يكون سبب تغييب العلمانية أنّها لا ترجع إلى الدين أو الفهم الخاطئ لها أو الفهم الصحيح من بعض الفرق الإقصائية التي لا تريد تجسيد الفكر العلماني في المنطقة لغايةٍ في عقائدها.
إذ إنّ العلمانية كمفهوم، كان للثورة الفرنسية وعصر الأنوار الفضل في صوغه، وله الدور الأكبر أيضاً بتقدم المجتمع الفرنسي وتطوره ووصوله إلى ما هو عليه، وكذلك الحال للدول الأخرى التي اتبعت المنهج نفسه، إذ بدأت تقدمها بعد فصل الدين عن الدولة وتحقيق مقولة فيكتور هوغو: «أريد أن تبقى الكنيسة في مكانها والدولة أيضاً في مكانها». فكان قانون 1905 الفرنسي، المسمّى قانون فصل الكنائس عن الدولة، تجسيداً لفكرة هوغو وتمهيداً لما وصلت إليه فرنسا كنموذج على صعيد المساواة في المجتمع والديموقراطية ومفهوم المواطنة. وفي هذه السياق، يرى أستاذ الفلسفة الفرنسي «هنري بينيا ـــ رويث» في كتابه «ما هي العلمانية؟» أنّ «مفهوم الفصل مصيري، فهو يعيد الدين إلى وضعه في الحقوق الخاصة، ويعيد تعريف غايات الدولة وأنماطها في الوقت نفسه، هذه الدولة التي تكف عن التحكيم في أمور العقائد وتلتزم بكل صرامة بالحياد بين المذاهب الدينية».
بينما المفكرون والقادة الإسلاميون يستبعدون مفهوم العلمانية باعتباره بدعة واختراعاً غربياً مسيحياً لا معنى له ولا وجود لسلطة كنسيّة في الإسلام، إذ يعتبرون أنّ الإسلام دين ودنيا وطريقة حياة، أو دين وسياسة لا يمكن الفصل بينهما. في المقابل، يرى المفكرون العلمانيون في المشرق أنّ هذه النظرة خاطئة، فالعلمانية ليست مفهوماً يطبق في الغرب فقط، وإنما الشرق العربي بحاجة إليه للحاق بركب الدول المتقدمة والخروج من قوقعة الدول النامية، وبالتالي يجب توضيح الخلل بالمعنى الجاري حول الفكر العلماني في الدولة والسلطة.
إذاً، الدولة العلمانية لا تعادي الدين ولا تخلطه بالسياسة، بل تضمن أن تكون محايدة تجاه القضايا المتعلقة به، وتبقى على مسافة واحدة من جميع الأديان والأفكار، كما أنّها تقوم على مبدأ المواطنة، وتعامل جميع الأفراد على نحو متساوٍ، بغض النظر عن انتماءاتهم أو أعراقهم أو أفكارهم الدينية واللادينية وتعتمد على قوانين مدنية لا تمييز فيها بين المواطنين، وتنهض السلطة بالمصلحة العامة.
كذلك تضمن الدولة لكل مواطن حرية المعتقد وترفض أي إكراه في الدين أو الفكر، إذ يؤكد «هنري بينيا ـــ رويث» في كتابه: بعض الناس يؤمنون بإله واحد، وبعضهم الآخر يؤمنون بتعدد الآلهة، ومنهم من لا يؤمن بالغيبيات، وعليهم جميعاً أن يعيشوا معاً». ويضيف: «لا يكون هذه الحياد بالحفاظ على المساواة بين كل المذاهب في إطار فضاء عام متعدد المذاهب، بل بالبقاء خارج ميدان الخيارات الروحية المتعددة، مذهبية كانت أو غير مذهبية، عملاً بمبدأ المحيط غير المذهبي». وهنا الفصل والمساواة يعطيان الأولوية للتقدم العلمي في المجتمع، وفتح الأفق أمام الفرد والتفكير النقدي بعيداً عن أي حدود قد تفرضها المؤسسات الدينية على خلايا الدولة السياسية والاقتصادية والثقافية، فأهداف السلطة تكون في تحقيق التطور والتقدم بكلّ الأصعدة للوصول إلى بنية مجتمعية يطمح إليها الجميع من دون استثناء.
في سوريا مثلاً، وهي من أكثر مجتمعات العالم تعددية دينية وعرقية، كيف تحكمها سلطة دينية أو دستور ديني يضمن الحقوق لبعض السوريين ويحرم آخرين منها، كالدستور السوري الجديد والقديم؟ وكيف لقانون أن يحرم سورياً مسيحياً من الترشح لرئاسة البلاد؟ ألا يستحق أحفاد فارس الخوري أن يتساووا مع إخوتهم في الحقوق والواجبات السياسية؟ وهل الحل بدولة مدنية ترجع إلى الشريعة الإسلامية، كما هو رائج أخيراً؟ أم بدولة علمانية تضمن المساواة لكلّ مواطن سوري على أساس انتمائه لسوريا الأم؟
وبالوصول إلى الأوضاع الحالية في ظلّ الثورة السورية، ربما تتشابه مطالب الغالبية الصامتة والأقليات مع مطلب فيكتور هوغو، فجميعها تريد أن تبقى الجوامع في مكانها والدولة في مكانها، والثورة في مكانها أيضاً حتى تنضمّ كلها إلى ركبها، ولا تريد أن تخرج من ظل نظام قصّر بحقوقهم، إلى نظام جديد مقصّر أيضاً أو الوقوع في المجهول. وهنا قد يكون الحسم في الصراع على كسب ود باقي أطياف الشعب السوري، وحينها تنجح الثورة في إسقاط النظام دون إسقاط الدولة، التي تبقى حلماً مشروعاً بأن تكون دولة سورية علمانية لكل السوريين.
لكن، تبقى هذه المقولة للمفكر السوري وائل سواح في الحسبان: «ليست العلمانية حلاً سحرياً لحل مشاكل المواطنين في هذا الجزء من العالم، لكنّها أفضل الحلول الذي يضمن للبشر المساواة التامة في الحقوق والواجبات».
* كاتب سوري
9 تعليق
التعليقات
-
اين العلمانية في الربيع العربي؟عنوان لا يقول شيئاً,فيه اشد المصطلاحات غموضاًوصخباً.قبل ان نسال اين العلمانيةفي...علينا ان نسأل هل هناك علمانية؟ ذكرت فرنسا, هل فرنساعلمانية؟!هل سمعت بثورة المدارس الكاثوليكيةالتي كادت تطيح ميترانفرنسوافي عز المد العلماني في ثمانينيات القرن الماضي. وهل اتاك شيء من معارك الفولار والكاب والصليب؟!!وهل تعلم ان الملكة التي لا تحكم في المملكة المتحدة,هي رأس الكنيسة والدولة؟!هل نذكر اليواس إي ومافيها من كنائس ومذاهبّ؟!!وفيها الصهيو مسيحية , وفيها ظهر بوش الجونيور وما كان يتلقى من وحي سماوي كان مصدر الهامه في احكامه.عزيزي لنتحدث عن دولة القانون لا عن العلمانية.هذا أقرب للواقع. اما الربيع العربي فهو رابع العنقاء والغول والخل الوفي الثلاثي المستحيل بوجوده.كيف تريدها ان تمطر علمانيةفي صحراء الأديان؟! اقنع بإيجابيات الدين ربما نحصل على إيجابيات العلمانية
-
الاخباراحب موقع الاخبار من اجل معلق اسمه باسل و اكرهها من اجل معلق اسمه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ هل تعرفوه
-
إلى السيد أنور 2وبخصوص قولك{ثم تعتمد على المفهوم الإسلامي للسلطة والحقوق والواجبات}فإن منهج الإسلام هو مطابق للحق، ولذلك لست ملزما بالإستشهاد بغيره وإن اتفق معه، جزئيا أو كليا.لا أعترف إلا بمصطلح العلم، ولست بحاجة للتحوير واستعمال مصطلح العلمانية، أي ما ليس مناسب. تحياتي واحترامي وتقديري لجنابك عن النبي محمد صلى الله عليه وآله(لا يؤمن عبد حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير) أللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
-
إلى السيد أنور 1بسم الله الرحمان الرحيم أللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم إذا كنت تعتبر أن ما أطرحه هو فلسفة، فإني لست فيلسوفا ولا أتعمد التفلسف في البيان والشرح والتوضيح(ولا يتعدى الأمر أكثر من طرح رأي وتعبير عن موقف).فلا تحشر وتدخل الفلسفة في الموضع، ولا أحب الخوض في ما أتحفظ عليه أو أرفضه(والقلسفة تدخل ضمن ذلك، إذا لا اعترف بها، او لا أعترف بتسمية فلسفة لكل نشاط أو عمل ونتاج فكري وتحليلي، قد يكون مميزا، كما لوان ذلك محصور وحكر على طائفة تسمى نخبة).أعترف يشيء يسمة حكمة والتي لا أحب أن يوضع طرحي في نطاقها، لأني لا أرى أني حكيما، وأعتقد أن هذا واضحا. بخصوص السلطة، فإن ممارستها عين التسلط.أما أن يُعطى لفظ السلطة لمعنى غير مطابق، فهذا خلط او سوء فهم.لذلك أطلب منك أن توضح أو تعرف الذي تسميه السلطة، مع أني أرى أن المتداول من المماراسات، ليس إلا تحكم وتسلط من قبل البعض على البعض الآخر، وبغير حق وبدون ذنب موجب.وهذا لا أرى انطباقه على سوريا، كون أن النظام هناك متسلط لمنع التسلط. بخصوص العلمانية، فهي عن نفي العلم عن الدين(أي العلم مقابل الجهل)، وإما بسبب الإنكار والعناد، أو بسبب الجهل والعجز عن استيعابه وفهمه وانعدام القدرة على تقبله وتحمله.
-
اين العلمانية في الربيع العربيعلي الرغم من ايماني بالتعددية الدينية والفكرية في بناء الدول وأهمية التأكيد الدائم علي توسيع مفهوم المواطنة الحقه وتأسيسها إنسانيا لا قوميا وقطريا ، الا انني اتساءل عن الدور الذي يقوم به ما يسمى بالعلمانيين في بناء الدولة الحديثة في المنطقة العربية، لماذا هذا الانزواء منهم عن تبني قضايا الشارع؟ ولا اتحدث هنا عنهم ككتلة واحدة لأني مدرك لصعوبة تحديد تركيبتهم هذا ان كانت متواجدة اساسا ! أني أعيب عليهم كأفراد وكنخب في دورهم السلبي والضيق والذي ينحصر فقط في مناكفة التيار السياسي الديني، و كأنما وجودهم مرتبط بوجود خصومهم!! وعند الأزمات الحادة والمنعطفات التاريخية يغيب دورهم.... فلم اسمع إدانة واضحة للسلطات القمعية وانما دعما علي استحياء في باديء الامر. اضف الي ذلك عدم التقائهم الدائم مع الفكرة الدينية وعلي الدوام أضفي مزيدا من الريبة علي اطروحاتهم ... ليست الحجة التقليدية في تراجعهم الدائم في المجتمعات العربية وهي الدين التقليدي الا دليلا علي انغلاقهم الفكري في ملامسة حاجات الناس مهما علت اصواتهم بضرورة الانفتاح فكريا ، ولعله من سخرية الأقدار ان يبدو الفرد المتدين المحافظ بلباسه التقليدي اكثر انفتاحا من العلماني بلباسه العصري وكأنما تطوره الشكلي سبق تطوره الفكري! العلماني في منطقتنا لازال يعرض نفسه كخصم للدين وبكل انفعال ولم يستطع ان يتجاوز هذه الفكرة! لذا وبلا شك يتصدر المشهد اليومي التقليدي ويختبئ العلماني خلف اناقته سواء كان رجلا او امرأة. عذرا علي الإطالة.
-
إلى أبو حسين الفلسفة هي كم من المبادئ والمنطق بحيث لا تناقض ولا تضارب في تحليلها للأمور لا يعني هذا بأنها أصابت الحقيقة ولكنها لاتتناقض مع حقيقتها٠ فما معناه أن تساوي بين "السلطة... والتسلط" "وجواز الحكم " وتقول "بالنسبة لمسألة هوية الدولة، فإن من غير الجائز أن تعطى لها أي هوية، علمانية كانت أو إسلامية أو أي هوية أخرى، " ثم تعتمد على المفهوم الإسلامي للسلطة والحقوق والواجبات ... وتستشهد بأحاديث وبآلاء من الذكر الحكيم الهوية العلمانية للدولة نسبة للعلم والعلم هو دين العقل مع فائق الإحترام
-
عن السلطة والحكمبسم الله الرحمان الرحيم أللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم قبل الخوض في قضية من يحق له الحكم وتسلم السلطة، يجب أولا حسم قصية جواز الحكم والتسلط من قبل أحد على غيره، وكيف وأين ومتى.بالنسبة لمسألة هوية الدولة، فإن من غير الجائز أن تعطى لها أي هوية، علمانية كانت أو إسلامية أو أي هوية أخرى، ذلك لأن التطبيق من شأن الإنسان، بما هو كائن عاقل، والدولة ليست كائنا عاقلا، ولا هي بالأصل كائنا محسوسا. وبخصوص الحكم والسلطة، فانطلاقا من فرضية أنه ليس لأحد الحق بالتسلط على غيره والتحكم به، فإن من غير الجائز إعطاء أي صفة أو أي صبغة لما هو غير جائز.بحسب الإسلام لا سلطة لأحد على أحد بدون ذنب، كقول تعالى"وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا"(الإسراء 33){والشاهد: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا}. فولي المقتول هو صاحب السلطة وليس الواسطة أو الأداة التي تدخل في تفعيلها، وإن شكل العنصر البشري بعض مقوماتها ومكوناتها(أعني الواسطة أو الأداة).وبذلك فإنها سلطة طارئة وليست دائمة، ما يعني عدم جواز تداولها لانعدام إمكانية وجودها من تلقائها ودون موجب. فالتعديات والمخالفات لا يجوز ارتكابها حتى يتم تدولها، لإيجاد سلطة تبعا لها. عن النبي محمد صلى الله عليه وآله(لا يؤمن عبد حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير) أللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
-
ما عاد نعرف نخلص من هيدول الصور؟خلصنا من صور المليونيات بالاردن هلق بلش البوم الصور تبع الايدين الملونة بالاعلام شو منشان علم البحرين ؟ موجود؟