تقول الرواية التي أتت من مصدر واحد، إنّ الاستخبارات الأميركية والسعودية نجحت في زرع عميلها في تنظيم «القاعدة»، وبذلك أحبطت خطة تفجير طائرة الركاب التي كانت متوجهة إلى الولايات المتحدة، في يوم عيد الميلاد من عام 2010. وبعد هذا الحادث مباشرة، كُثِّفت الضربات الجوية على القاعدة في جنوب اليمن. الآن، يحق لكل «العملاء المزدوجين» في تنظيم القاعدة، الإفصاح عن مصدر معلوماتهم، وعملياتهم، قبل توجيه المزيد من قنابل الطائرات الفتاكة على رؤوسهم. فلقد حان الوقت لكي تفجر «القاعدة» نفسها، من دون الرجوع إلى الإدارة الأميركية.يبدو أنّه ليس على «القاعدة» أن تحذر مما قد يسقط عليها من السماء؛ ففي الأرض أيضاً تقل فرص النجاة، ولن تنجح الطائرات التي تطير دوماً من دون طيار، في اجتثاث «القاعدة»؛ فطائرات التجسس وحدها، دون الاستخبارات، لا تستطيع أن تعرف أين يمكن أن تخبأ العبوات الناسفة المقبلة، فمثلاً، هذه المرة وضعت في الملابس الداخلية للانتحاري.
وإن كانت المباحث السرية لن تنجح في زرع العملاء، فمن يفعل؟ والعلاقات السعودية بالقبائل اليمنية، إن كانت لن تسعف الأميركيين في هذا الوقت، فمتى تسعفهم؟ أما وكالة الاستخبارات الأميركية، فإن لم تتمكن من الوصول إلى المناطق الحساسة، فمن يصل؟ وهل هناك مناطق حساسة أكثر من المنافذ المائية لجنوب الجزيرة العربية، حيث يمر أكثر من ربع نفط العالم؟ لذلك تغطى هذه المنطقة المكشوفة، بالاستخبارات والبارجات والطائرات.
لقد سُخِّرت العلاقات الداخلية في «القاعدة»، وسُجِّل ذلك باسم الاستخبارات السعودية، ليبدو أنّ هناك كيانين منفصلين؛ فالاستخبارات السعودية خلال العقود الماضية عززت علاقتها بجميع قيادات «القاعدة»، وعائلاتهم وأصدقائهم، وحتى المشتبه فيهم. لدرجة وصلت فيها العلاقة بين الاستخبارات السعودية و«القاعدة»، إلى مستوى من المزج يصعب فصله.
وحدها الطائرات التي تطلق من البوارج الأميركية، تستطيع فصل العلاقة، بأن تردي أحدهما قتيلاً. فحين يتحول أحد الطرفين إلى هدف، لطائرات التجسس الأميركية، فإنّ هذا يعني أنّ التخلص من الطرف الأكثر ضرراً، هو المهمة الآنية للوجود العسكري الأميركي في اليمن. وحين تسند المهمة إلى طائرات من دون طيار، تظهر مهارة العقل الأميركي في التحكم عن بعد، وهذا يرجح احتمال أنّ «القاعدة» منذ البداية بلا قائد.
عام على إعلان خبر مقتل زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن من دون توثيق مادي للخبر. الخبر أثبت أنّ أميركا فعلاً، هي سيدة الإعلام. لقد أصبح الخبر حقيقة مؤكدة في ثوان، من دون دليل مرئي، وحقق أعلى نسبة صدقية باعتماد أدلة مسموعة. وبعملية واحدة أرجع «القاعدة» إلى النقطة الصفر، وأعلن الساعة الصفر لبدء الضرب على الرؤوس الصغيرة للتنظيم.
المهمة الآن لا تحتمل البطء، فالأرضية ملائمة، للكشف عن المزيد من العملاء المزدوجين، ومخابئ غير متوقعة للعبوات، وأيضاً لتنفيذ عمليات نوعية لمجموعات «القاعدة». غير أنّ الأهم بالنسبة إلى القاعدة العسكرية الأميركية قبالة السواحل اليمنية، يكمن في استمرار وصول أفواج الجيش الأميركي، ببطاقات تحمل اسم «مدربين»، مهمتهم المعلنة تدريب الجيش اليمني على كيفية استخدام مهارات عسكرية، لقتل الإرهابيين. لكن ما دامت الطائرات الأميركية ستحلق وتتجسس وتضرب، فما هي فائدة تدريب الجيش اليمني، الذي يعد فريسة سهلة لمقاتلي «القاعدة»؟ إذ خلال عملية واحدة يأسرون المئات ويقتلون العشرات، ويفتكون بالمعسكرات ويسلبون المدرعات. فمن يدرب «القاعدة»، ولماذا تستدرج إلى مربع الاحتكاك المباشر مع الجيش اليمني، فتقضي على هيبته وقوته وخطوط دفاعه، ثم يُقضى عليها بيد أميركية؟
الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى صبر صياد يرمي صنارته وهو متأكد أنّ الطعم مغرٍ، وعند هذه النقطة يقول الجيش اليمني إنّه يرسل إلى مناطق القتال بلا ذخيرة كافية، ولا خطة، ولا حتى خريطة تحرك.
تاريخاً، كان اليمنيون أول من استوطن جنوب الجزيرة العربية، لكنّهم قد يجهلون أنّ الأميركيين لم يأتوا لليمن لاصطياد السلمون.
* صحافية يمنية