إلّا الجيش
في وطن الحسابات والمحاصصات والتسويات، في وطن التوزيعات الطائفية والمذهبيّة والتوازنات السياسيّة والمناطقية، في وطن «كلّ من يده له» ووطن الألف مليون علّة، ما برح هو الأمل... فاتركوه. اتركوا الجيش الذي لمّا يطلب يوماً سوى «السترة». أبعدوه عن زواريب تعهّداتكم وتفاصيل أجنداتكم. حرّروه من قيود التزاماتكم ووحول انقساماتكم، وكفّوا عنه سمّ افتراءاتكم ونيران اتّهاماتكم.
اختلفنا على كلّ شيء؛ على الصديق والعدوّ، على المناضل والعميل، على الشهيد والقتيل. اختلفنا على الكثير، وظلّ هو القليل الذي يجمعنا. فعقيدته ثابتة، وعدوّه معروف، وفي كل بيت وعائلة له فينا شهيد وأكثر. كم مرّة أثبت أنّ الشرف والتضحية والوفاء ليست مجرّد شعارات منبريّة، بل هي نهج حياة وسلاح يتجاوز قوّته سوء التجهيز وضعف العتاد. كم مرّة استطاع بحكمة وثبات السير بين ألغام الفتن ورصاص التقسيم، وهو الذي احتوى واستوعب كل المذاهب والمناطق والأفكار والعصبيّات، وحتى الميليشيات. هو الذي علّم الجميع معنى التعايش والوحدة فكان ولم يزل القدوة في السلم والحرب.
إلّا الجيش يا إخواني!
صوّبوا نبالكم وطلقاتكم في أيّ اتجاه؛ اصطفّوا، تمترسوا، تحالفوا واختلفوا. كونوا ما شئتم واستزلموا والتزموا مع من شئتم، ولكن أتركوا لنا الأمل بلبنان لم يبق منه بعد نشيد مبحوح وعلم غائب.. إلا الجيش!
أحمد باسم سبيتي

■ ■ ■

سلامتك سوريّا

من قال إنّ الحياة لا بدّ أن تستمرّ مهما حدث، وإنّ الشّمس لا بدّ أن تشرقَ كلّ يومٍ، وانّ الفصول لا بُدّ لها أن تعود كلّ عام؟!
منذ أن توّرط الموت في بلادي وشيءٌ في تقاسيم السّماء تغيّر، و منذُ أن صمَتَتْ سوريّا عن البوح والغناء وشيءٌ في تجاعيد الزّمان تغيّر. لونُ الأزهار وصوتُ الرّيح في احتضارِ الشّتاء وأجنحةُ العصافير ودهشةُ الأمطار، وحتّى صوت فيروز في صباحاتنا تغيّر!
لم تعدِ الأنهار منذ أن بَكَتْ بلادي أنهاراً. تضاءل القمر كثيراً. واستيقظ الموتُ بارداً من رحم الحياة. رحل الكثير من الأحبّة، ورحلت المحبّة أيضاً، حتّى بات وطني أغنيةً للحزن والحنين والوداع. كان على المحبّة أن تبقى، وأن تكون أكثر قوّةً ورحمةً من قلوبنا. كان عليها أن تهزّ أرواحنا المثقلة بالثّلج والبرد والضّياع وتبقى.
أشتاق إلى سوريّا كثيراً. أشتاق إلى الحبيبة التي طالما أعطتني القوّة. إلى وطنٍ تنام فيه عصافيري الصّفراء وادعةً أبداً. إلى أرضٍ إن ذبُلت أزهارها تبدّدَ الكون كلّه وتغيّر.
سلامتك سوريّا. سلامتك يا وطني.
ناتالي ميني