في مقاله عن سلامة كيلة بعيد اعتقاله، كتب رئيس تحرير صحيفة «الأخبار» الأستاذ ابراهيم الأمين متسائلاً: هل هناك مكان على المسرح السوري لمعارضين من قياس سلامة، أو من صنفه؟ («الأخبار»، عدد 25 نيسان الماضي). لم تتأخر الإجابة عن سؤال «الرفيق» ابراهيم من قبل السلطات السورية، فالترحيل بطريقة مهينة لسوريا كلها، كان كافياً ليجيب على من توهم طويلاً أنّ سلطة مستبدة كهذه يمكن أن تَصْلُح أو تُصْلِحْ، فالمستبد كان دوماً عدوه الرئيسي المفكر الذي لم يحتمله في أوقات الرخاء إلا ليغطي على استبداده، فكيف يحتمله في أوقات الثورة حين يكون مشاركاً وفاعلاً وحاداً كسلامة؟
من هنا يتخذ الكلام حول ترحيل سلامة كيلة أهمية مضاعفة لما للرجل من رمزية في الداخل السوري، ولما كشفته قضيته من عقم خطاب الممانعة. إذ تتجلى المفارقة الفاضحة في أنّ نظاماً ممانعاً (وفق تصنيفات الممانعين) يطرد كاتباً ممانعاً يتشدد أكثر من السلطة نفسها بكل قاموس الممانعة الذي تاجرت به على مدى عقود!
لكن من شأن التأمل في ترحيل سلامة كيلة، الفلسطيني الأصل والعربي الانتماء والسوري الهاجس والأممي اليساري (رغم اختلافنا معه في طريقة قراءته للثورة السورية ومجرياتها)، أن يعري منظومة السلطة نفسها ومنظومة الذين لا يزالون يرون في النظام السوري «ممانعاً». إذ تؤكد خطوة النظام تلك لكل من لا يزال متوهماً، أنّه حين يصوّب أي من «الممانعين» سهام نقده (وليس سيفه، فسلامة كان ضد العسكرة والتدخل الخارجي والارتهان لقوى النفط مقابل الإيمان المطلق بقوة الشعب) إلى السلطة، فمكانه السجن أو الترحيل على أقل تقدير. وفي تعميق أوسع لعلاقة الممانعة بالنظام السوري، سنجد أنّ الممانعة لم تكن يوماً إلا ورقة بوجه محكوميه لإسكاتهم، إذ لم يدفع شعباً عربياً ضريبة الممانعة والقضايا القومية كما دفعها الشعب السوري الذي انتفض وثار لتحصيل حقوقه المهدورة من جهة، ولتصويب الممانعة المتلونة، لصالح ممانعة حقيقية. لكن هذا الشعب السوري ووجه بذبذبة أهل الممانعة الذين باتوا يبررون للسلطة أفعالها بممانعتها وتآمر الغرب عليها! وكأنّه حتى في حال صحت قصة ممانعة النظام وتأمر القوى الغربية عليه، يجب أن يدفع الشعب السوري الثمن، ليبقى النظام الممانع، بحيث تعجز عقول أهل الممانعة عن عكس الآية مثلاً، وكأنّ سوريا الممانعة تعجز عن تخريج ممانعين آخرين!
وفي منظور آخر تأتي خطوة ترحيل سلامة، في لحظة من المفترض فيها أنّ النظام وافق على خطة أنان، مما يجب عليه تهيئة الأرضية اللازمة لانطلاق التفاوض، لتأتي خطوة الإبعاد مع خطوات أخرى على الأرض، لتؤكد طريقة تفكير النظام التي لم تزل هي هي بشأن التعاطي مع مواطنيه (وسلامة واحد منهم). من شأن ترحيل سلامة أن يعد انتهاكاً فاضحاً لمهمة أنان قبل غيرها، وسط صمت سياسي يطال المعارضة أيضاً. وهنا بيت القصيد، لأنّ من شأن توسيع دائرة الرؤية أكثر، لتشمل المعارضة السورية، أن تجعلنا نوسع تساؤل ابراهيم الأمين، ليصبح كالتالي: هل ثمة مكان لسلامة كيلة في الأفق السوري المعارض؟
كان نقد سلامة إلى جانب نقده النظام، يتركز أساساً على التيارات السياسية المعارضة، حين لم تؤمن بقوة الشعب، متوقعة أنّ المدد يأتي من الخارج، كما فعل المجلس الوطني السوري، أو هيئة التنسيق التي اتجهت من بداية تشكلها نحو التفاوض مع النظام، لتخسر الشارع الثائر حصراً وليس غيره، وليستثمر المجلس الشارع إلى حين انكشاف أمره، إذ تراجعت شعبيته أخيراً. كان سلامة من بين قلّة دعت إلى ترسيخ الانتفاضة على الأرض وتوسيع قاعدتها وإنتاج قيادتها دون أن تقع في أحابيل القوى الدولية المتصارعة أو النظام السوري، ودون أن تضطر للتفريط بأي شيء. وكان هذا هو طريق الجلجلة السوري الصحيح، ولكن الصعب والطويل والمهلك.
وهنا يصطدم سلامة ليس مع السلطة فحسب، بل مع تيارات معارضة أخرى، قد تجد في ترحيله «فرصة» لها لترتيب الأجندة التي تشاء. السلطة تطرد كيلة لأنّ ممانعته الحقيقية تفضح ممانعتها المزيفة، لنغدو أمام تطبيق فعلي للقانون الاقتصادي الشهير «العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق». والمعارضة ذات الأجندة المختلفة، تدرك أنّ خطاباً معارضاً واضحاً كهذا خطر على مصالحها التي باتت ترتبها مع دول أخرى، وهي تهدف أول ما تهدف إلى تفكيك كل ما له علاقة بالمقاومة وفكرها وبالدولة الوطنية الحقيقية وأجنداتها التي لا تهادن ولا تساوم ولا ترواغ.
* شاعر وكاتب سوري
16 تعليق
التعليقات
-
الآن عرفت أنكم مع النظامالآن عرفت أنكم مع النظام السوري وضد الشعب لأنكم وضعتم جميع المقالات ضد سلامة كيلة ولم تنشروا مقالي الذي أقول به انه جزء من الوطن العربي ولا حق لنا بطرده من داره والذين يقولون ان يعود الى وطنه اقول لهم ان سورية وطنه وانكم اغراب عن الانتماء العربي
-
أصحاب الانسانية المثقوبةأحمد الجاسم الذي أنقذ حياة آلاف الناس بتفكيكه للعديد من العبوات المعدة لقتل أكبر عدد من أبناء شعبنا.. لهو عندي أعظم و أهم و أشرف من ألف سلامة كيلة و مئة ألف عزمي بشارة و من مثله ممن بصقوا في الصحن الذي أكلوا منه... سلام لروح أحمد الجاسم و لكل سوري قدم حياته من خلف كواليس الوطن ليخرج المنظرون أصحاب الإنسانية المثقوبة يبصقون في وجوهنا
-
لماذا؟اسألوا لماذا بصق ناجي علوش شيخ المثقفين الفلسطينيين على ابن اخته عندما استقبله في عمان؟؟؟
-
مواطنيه ......سلامة كيلة واحد منهم ؟؟
-
ما عرض من اثار على جسمما عرض من اثار على جسم الاستاذ سلامة كيلة ليس باثار تعذيب بل بسبب مرضه العضال وطريقة العلاج، ومظمم روواد قهوة الروضة بدمشق والكتاب والمثقفين ممنهم تحديدا يعلمون بشأنها كونها كانت جزء من الحديث اليومي للاستاذ كيلة معهم. بعد سنة ونصف تقريبا من الفوضى والقتل والفقر والدمار يخرج الينا مثقفو سوريا ليضربونا بمنيات كبيرة انهم ضد التدخل الخارجي!! ولدي هنا سؤالين اثنين: هل يكفي قول المثقفين بذلك بينما هم يتغاضون عن القتل والتجييش وتدمير البنى التحتية وتوفيرغطاء للخارجين عن القانون؟!! ثانيا: هل قولهم بذلك سيمنع الناتو من شن حرب اذا ارادو ذلك؟!! بالله عليكم احترموا اقلامكم قبل ان تحترموا عقولنا، وشكرا.
-
بخصوص قصة الممانعةالأستاذ محمد ديبو المحترم معلومات موثقة : القرحة على ساق السيد سلامة كيلة قرحة مزمنة , والكدمات الزرقاء معروفة من قصته المرضية. وهو لم يتعرض للتعذيب او الضرب مطلقا. لماذا قام بتصوير ذلك على الجزيرة والعربية على أنه تعذيب , هل يمارس اليسار الماركسي العربي الستريبتيز هذه الأيام . إذا كان السيد كيلة تعرض (لاعتقال تعسفي ) بالأمس استشهد صديقي طبيب جراحة في عيادته في حلب , كان إنسانا أيضا وكلف دولة الممانعة التي لا تعجبكم الكثير. هل هذا وقت التنظير. إذا كان تحرير القدس يمر عبر إسقاط النظام السوري حسب رأي كيلة فقد اقتنع من اعتقلوه بهذا وأرسلوه للأردن للإعداد والتحضير اللوجستي باعتبار سقوط النظام قريب , كما كان رأي منظري حزب العمل الشيوعي في بداية الثمانينات , واليوم بلعوا ألسنتهم عندما وصل سعد الحريري إلى مكتبهم السياسي.
-
كان عليه احترام القوانينسلامة كيلة مواطا فلسطيني وبالتالي فهو ضيف وكان عليه احترام اصول الضيافة وقوانين البلد -لو كان مقيم في الخليج هل كان سيجرؤ عن انتقاد انظمة الحكم في الخليج