««الإنسان حيوانٌ إعلامي» قد تكون جيناته الوراثيّة في تطوّر وتعديل دائمين. تماماً كما يتغيّر مأكله، وما يلبسه، وما يميّزه من العنف إلى الحضارة، من الأسطورة إلى العلم الحديث، من المحاكاة في نقش الكهوف إلى تصفّح «الأي باد» iPad. كلّها رحلاتٌ لكنّ الثابت الدائم في الإنسان هُوَ في فِطْرتِه: في تقصّي الأخبار، يقتنص الإنسان منذ ولادته الشائعة، الحدث، الرأي وتوقّعات الأحداث المقبلة».
يبدو رمزي نجار محاولاً اختصار علاقة مستمرة منذ بدء الخلق إلى اليوم بين البشر والخبر. هو هنا يشير إلى آليات التواصل التي طوّرها البشر أنفسهم، إمّا لتكاثرهم أو لاستخدامهم لغات مختلفة، أو حتى اهتمامات. هذه المحاولة تفتح الباب أمام نقاش لن يتوقف، ليس في جدوى آليات التواصل المتوالدة، بل في المنفعة الحقيقية من هذا التواصل.
الوصول إلى الخبر، أو إلى الحقيقة، أو إلى ماذا؟
أي هدف فعلي يقف خلف وسائل الاتصال، وبالتالي أي هدف فعلي يقف الآن، كما الأمس، كما الغد، حول دور المتحكمين في هذه الوسائل التي يطلق عليها حتى إشعار آخر اسم: وسائل الإعلام.
رمزي نجار الذي خبر البشر الناشطين كمشغلين لوسائل الاتصال، أو كمادة لها، وهو لا يحتاج إلى دليل يمسكه بيده للتعرف إلى العناوين الصحيحة أو تلك المضللة، تفادى، ربما بسبب «الطبع»، المواجهة الشاملة مع الجانبين: مَن يبثّ الخبر ومَن يتلقّى الخبر؟
لا يملك رمزي هنا القدرة على التحكّم في سلوك الطرفين، لكنه، نقصد اعتلاء منصّة، يعيده قليلاً عن الجانبين. كمَن يقف على تلّ يراقب، بعدما كان في قلب الحدث، أطلق ما يمكن اعتباره إشارة الإنذار بشأن كل ما يتصل بالوسائل، وبالمشتغلين وبالمتلقّين أيضاً. وهذه التحذيرات لا تعكس حيادية ظاهرة، بل تورّطاً مباشراً، لكن يستند إلى خبره في عالم التواصل، أي القدرة على التشخيص الدقيق، والقدرة على إطلاق الأحكام على شكل نصائح أو تحذيرات. المهم أن رمزي نجار حاول تجنّب أن يضبطه أحد متلبّساً في تقريع مَن يجب تقريعه في هذا العالم المعقّد... وهو هنا يرسل إشاراته المباشرة نحو «تصرفات مراهقة وسلوك صبياني، ولا تنسجم قطعاً مع منظومة المُثُل ومجموعة المقاييس والمعايير المهنية والأخلاقية للإعلام».
المشكلة مع رمزي في النص نفسه، أنه وقع في فخه. عندما نادى الصحافيين والسياسيين بعدم التصرف كمتنافسين، علماً بأن المعضلة الرئيسية التي تعاني منها الصحافة، ليست فقط في قبول الصحافيين خدمة السياسيين، بل في وهم تلبّس الدور، أي في وقوع الصحافيين ضحية وهم أنهم يقدرون على ممارسة دور السياسي، ما داموا يشاركون في صناعته، ويعرفون كيف يعبر الطريق نحو المجد الموهوم. وفي هذه الحالة، ثمة التباس آخر، يعرفه رمزي نجار حق المعرفة، وهو أن الصحافي نفسه، عندما يقبل بهذه المعادلة مع السياسي، يصبح أسيراً طبيعياً لكل ما يأسر السياسي، وهذا ما يجعله ضحية اللاعب الأخطر في مصيره كصحافي، أي تمويل منشوراته لا تمويل محتواها.