لا تكمن مأساة جريدة «البيرق» وسائر مطبوعات دار «ألف ليلة وليلة» فقط في الخلافات والانقسامات التي وقع ضحيتها صحافيو ومحررو الدار، بل أيضاً في جحود وتنكّر القيادات الرسمية والسياسية والروحية للخدمات التي حظوا بها على مدى سنوات طويلة، تخطت الأربعين عاماً، بحيث أصبح وضعهم في قعر الحفرة التي لا يرغب فيها النقيب ملحم كرم لو كان على قيد الحياة، ولا يرغب فيها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، بل لا يرغب فيها أيّ مسؤول لبناني مخلص، يسعى إلى إحقاق الحق، الذي هو لمصلحة الصحافيين كلّهم.
نقول هذا، في ضوء توقف «البيرق» وسائر مطبوعات دار «ألف ليلة وليلة» عن العمل، واضطرار العاملين في هذه الدار إلى اللجوء إلى القضاء، في ظل التقاعس عن القيام بالواجب تجاههم بما تقتضيه الواجبات، وهم منهمكون في المطالبة بحقوقهم المشروعة التي تعترف بها كل القوانين.
صحيح أنّ وفاة النقيب ملحم كرم قد ولّدت عقبات كثيرة أمام معالجة مأساة «الدار»، إلا أنّه ليس من المعقول أن يدفع العاملون في «ألف ليلة وليلة» ثمن الخلافات والانقسامات حول السلطة والتسلّط، بما يؤكد استمرار المشكلة على حالها، فيرتفع سقف قلق صحافيي الدار على مصيرهم في ضوء الأوضاع المتردية، وفي ظل تعثر المعالجات والحلول، فتتاح الفرصة أمام المغرضين للانقضاض على الدار. وهنا يمكن القول إنّ الوصول إلى حل للمشكلة بصورة سريعة وعادلة، هو الهدف في إخراج «البيرق» وسائر مطبوعات «ألف ليلة وليلة» من هذا المنزلق الخطر الذي تتجه إليه. فـ«البيرق» وسائر مطبوعات «دار ألف ليلة وليلة» هي رقم فاعل في منظومة الصحافة اللبنانية والعربية، ويهم كل اللبنانيين والعرب أن تعود قوية وفاعلة. وفي الوقت نفسه لا يجوز إغفال المطالب المشروعة لصحافيي الدار والعاملين فيها، ويجب تحقيقها، فبعضهم أسهم في إنهاض المؤسسة، وهم أصحاب المواقف المشرّفة منذ حقبة السبعينيات، حتى يومنا هذا. يستحق هؤلاء أن ينالوا حقوقهم ويحافظوا على كرامتهم، وأن يعيشوا بين المواطنين اللبنانيين حياة كريمة، وأن يعيدوا بناء دار صحافية تكون فخراً لهم وللصحافيين عموماً.
إنّ المطلوب الآن هو الاتجاه نحو الحوار، نحو التفاهم بين ورثة النقيب ملحم كرم كافة، من أجل أن تقف «البيرق» على أعتاب مرحلة جديدة، نتمنى أن تكون مرحلة ازدهار وتقدم، تكون مختلفة عن المرحلة الحالية الصعبة، وتؤكد على عدد من النقاط، أبرزها التمسك بإرث ملحم كرم وبجهود أركان «البيرق»، وسائر مطبوعات دار «ألف ليلة وليلة» لإنهاء المشكلة.
أما النقطة الثانية، فتتمحور حول الحفاظ على المكتسبات التي حققها النقيب كرم على مدى خمسين عاماً، إذ إنّ النقيب كرم لو كان حياً يرزق، لرفض ما آلت إليه أوضاع المؤسسة، مما يعني ضرورة تحقيق المصالحة بين أولاد النقيب.
أما النقطة الثالثة الواجب إجراؤها، فهي الدعوة إلى الحوار بين جميع أفراد آل كرم لتحقيق الحلّ، بدل الإصرار على المواقف المتشددة التي تفتح الأبواب مشرّعة أمام الأغراض والمصالح المدمرة. لذا من الضروري إيجاد الحل من دون تأخير، لأنّ الاستمرار في الخلافات يعني السير في طريق مسدود، وهذا يوجب على الجميع النظر إلى مصلحة إرث ملحم كرم، لأنّ مستقبل هذا الإرث أغلى من كلّ المصالح الفردية.
* رئيس قسم المحليات في جريدة «البيرق» اللبنانية