ويسألونك عن الدولة

البعض يعتبرها كالهواء لا لون ولا طعم ولا رائحة لها، والبعض الآخر يعتبرها كالأشباح بحسب تعبير وزير الداخلية الأسبق حسن السبع. أما المواطن الحسيب الرقيب فيؤكد حضورها في كل ركن وحي ودسكرة وكل دائرة وإدارة.
فالدولة هي التي نظّمت القانون الانتخابي الذي على أساسه يصبح واحدهم نائباً ولو بأدنى عدد من الأصوات. والدولة هي التي استنبطت قانون البلديات الذي يحدث الشرخ داخل العائلات في القرى والمدن ويسبّب المشاكل والتناحر. والدولة هي التي تعيّن الموظفين وكلٌ فاتح على حسابه، ويدهم ودليلهم السماسرة، وهم همزة الوصل بين الموظف والمواطن للابتزاز والتشبيح.
والدولة هي التي وضعت قانون السير حاجزاً أمام المواطن لتعجيزه، فيبتكر اللفّ والدوران ليمتلك سيارة بالوكالة أو شهادة أنقاض. والدولة هي التي عيّنت خبراء السير والتخمين بلا شهادات ولا امتحان لتضيّع حقوق المواطنين بين شركات التأمين وتنام الدعاوى في المحاكم سنين. والدولة نفسها هي التي وضعت بوليصة التأمين الإلزامي للسيارات منذ عشر سنوات وما زالت «حزورة» لم يستوعبها المواطن، وهي مَن اخترعت الضمان لوقوف الناس نساءً ورجالاً على أبوابه للتسوّل.
والدولة هي مَن وضعت الضرائب العشوائية مقابل خدمة المواطن وحرمته من الكهرباء والماء وما إلى ذلك. والدولة أيضاً هي التي تعيّن الأجهزة الأمنية لخدمة المواطنين والسهر على أمنهم وراحتهم، ونرى الواحد من أفراد الدولة يحرسه المئات من الرجال بينما عشرات العناصر تحرس مئات الآلاف من المواطنين في المحافظة. ويبقى اللصوص والطامعون والمارقون يسرحون ويمرحون.
الدولة هي مَن تهدر المليارات وتفرغ الخزينة وتوقع البلد في عجز لمدى عقود من الزمن، وهي التي تلطش الهبات والمساعدات الخارجية للمواطنين. والدولة هي مَن عيّنت الموظف المناسب في المركز اللامناسب حيث الأمور تجري خبط عشواء، ومهما قامت الإضرابات والاحتجاجات فلا جدوى منها، لكون المسؤولين في الدولة من جنس الثلاثة: لا سمعنا ولا رأينا ولا حكينا.
والمسؤولون أنفسهم هم مَن غيّر التوقيت ودورة الساعة إلى الوراء ليصبح التوقيت صيفياً وشتوياً، وأوقع الناس في التيه وضيّق فسحة العيش وهجّر الشباب وأوقع المقيمين في الفقر والعوز ودفعهم إلى بيع الأرض.
إنها الدولة والقيّمون عليها منذ عقدين من الزمن مَن رسّخ الشواذ وشرّع الفساد وبقاءهم على العرش ينعمون ويبذخون، وقد انتهت مدة صلاحيتهم كبقية المواد. لهم دوام البقاء ولنا طول البكاء.
محمود عاصي