كان عليك أن تبقى
رداً على مقال الأستاذ إبراهيم الأمين في عدد يوم أمس بعنوان «مأساة رجل شجاع»، أعتقد أن الكاتب وقع في خطأ جوهري باستعمال تعبير «وقّع ثم اعترض». فما فهمناه من كلمة العماد عون بالأمس، ومن سياق المقال، أن الجنرال دعم الوزير نحاس إلى ما قبل يومين فقط. وبفضل هذا الدعم اشتغلت «الدولة كلها» للوصول إلى مخرج يحفظ كرامة الوزير، ويحقق رغبته في قوننة مسألة بدل النقل، وذلك لمصلحة العمال، وهي هدف الوزير نحاس أساساً. وليس قليلاً أن تُنشغل الدولة كلها بإيجاد حل فيه انتصار واضح للوزير نحاس الذي فضّل الخروج من المعركة وكأنه مهزوم فيها. فأساء إلى نفسه وإلى الجنرال عون.
ويبدو أن المشكلة بين الوزير نحاس والعماد عون بدأت من ذلك العشاء، وبالتحديد بسبب عدم التمييز بين «الواو» و «ثم». ولسبب آخر يتعلق بمعنى حصول الشيء «بالقوة» وحصوله بالفعل.
عندما قال العماد عون إن المرسوم لن يُوقَّع إلا بعد قوننته، كان يعني ما يقول. فقبل العشاء كان الاتفاق على «قوننة» المرسوم قد تم. وبالتالي رأى العماد عون أن القوننة قد حصلت «بالقوة»، وستحصل «بالفعل» يوم الأربعاء. ولذلك طلب من الوزير نحاس أن يوقع المرسوم، وإذا أحب أن يقدم في الوقت نفسه طعناً به. أي أن يرسل إلى مجلس الشورى «مرسوماً وطعناً» وليس «مرسوماً ثم طعناً». لكن رغبة الوزير نحاس كانت مختلفة، إذ أراد أن يرسل «مرسوماً في داخله طعن»، وهذا أمر مختلف وغير منطقي قانونياً وموضوعياً.
وهنا أحب أن أقول، على مسؤوليتي، إن الوزير نحاس ـــــ مع الأسف ـــــ لم يعرف العماد عون جيداً، رغم تعاونهما منذ التوزير الأول. وأنا متأكد تماماً من أن العماد عون كان يقصد أن القوننة قد حصلت «بالقوة» عندما طلب من الوزير نحاس التوقيع.
ولو كان الوزير نحاس يعرف العماد جيداً بالفعل، لعلم أنه كان سيخوض معركة أين منها كل معاركه السابقة لو أُخلّ بالاتفاق ولم تمر القوننة في مجلس النواب. وما كان على الوزير نحاس إلا أن ينتظر يوماً أو يومين. ولكنه لم يفعل.
من المؤسف أن تنتهي تجربة الوزير نحاس بخلاف مع العماد عون، ولأمر أراه، مع احترامي للجميع، شكلياً وتافهاً. وسبب الأسف ليس شخصياً فحسب، أي لمحبتي للعماد عون والوزير نحاس، بل لسبب وطني أيضاً. فإنّ لبنان منذ الاستقلال، رغم عشرات الحكومات التي تشكلت ومئات الوزراء الذين مروا فيها، لم يشهد سوى عدد قليل من الوزراء الإصلاحيين الذين لا يتجاوزون العشرة بأحسن حال، كالوزراء إميل بيطار، جورج افرام، جورج القرم، إلياس سابا وميشال سماحة.
كلمة أخيرة للوزير نحاس: كان عليك البقاء لسبب واحد على الأقل... أي نكاية بمن أحرجوك فأخرجوك، وهم كثر.
جاسر جبور