في الحادي عشر من الشهر الحالي، أكملت ثورة الشباب اليمنية السلمية عامها الأول، وقد تكون مثل هذه الدورة السنوية، مناسبة مثالية لإجراء جردة حساب لما كان خلال ذلك العام المفصلي في التاريخ اليمني المعاصر. جردة حسب تقول أين أصاب شباب هذه الثورة، وأين وقعوا في الخطأ. هكذا تستقيم الأمور وتجد عافيتها، حيث التقويم المستمر والصارم والصريح غير الغارق في عاطفته، وحده من سيمنح هذه الثورة فرصة لوضعها في المسار الصحيح، الذي قامت من أجل السير عليه حتى وصولها إلى تحقيق كامل أهدافها النبيلة. وتتعاظم أهمية وضرورة فعل هذا التقويم عندما يكون واحد من الأخطاء التي وقعت فيها هذه الثورة وشبابها يضرب بشدة في عمق أهم أهدافها التي انطلقت من أجلها، والمتمثلة في ضرورة إعادة الاعتبار إلى كرامة حياة الفرد اليمني، وإيقاف عمليات القتل المجانية والمفتوحة، التي كان نظام صالح يقوم بها بأكثر من طريقة.يحتّم ذلك على هؤلاء الشباب، إعلان رفضهم أي عمليات قتل مهما كانت ولأي سبب كان، فكيف الحال عندما يكون هذا القتل ممارساً خارج القانون، ومنفلتاً من أي أسباب قد تأتي على هامش إشكاليات قبلية أو ثأرية.
وبعيداً عن حجم الإنجاز المفصلي والأخلاقي التاريخي الذي صنعه شباب هذه الثورة اليمنية النبيلة، بانحيازهم إلى الخيار السلمي النابذ للعنف والحالة المدنية التي نجحوا في تشكيل لوحتها، في مواجهة واحد من أقذر الأنظمة الهمجية التي حكمت اليمن على مدار تاريخه، لا بد من التذكير بالخطأ الكبير الذي اقترفوه. هذا الخطأ هو الصمت الكبير وعدم التنديد بعمليات القتل التي تمت في حق أنور العولقي، ونجله (بواسطة الطائرات الأميركية بين 30 أيلول و14 تشرين الأول 2011). فظهر هذا الصمت بمثابة بقعة سوداء كبيرة على ثوب ثورتهم النظيف والناصع. وقعت اللجنة التنظيمية للثورة في خطأ الانسياق وراء وجهة نظر الأحزاب السياسية المعارضة التي جاؤوا منها، وهي وجهة النظر القائلة بضرورة الابتعاد عن أي بيان تنديد من شأنه أن يعطي الإدارة الأميركية ما يجعلها تربط الثورة بأي توجه إسلامي قادم من خلفها. وتتأكد هذه الفكرة عندما نعلم أن أكبر المكونات الثورية الموجودة في «ساحة التغيير» تابع لحزب التجمع اليمني للإصلاح، صاحب التوجه الديني، الذي جاهد قادته في سبيل إبعاد فكرة أسلمة الثورة عن الثورة، بما في ذلك من قطع الطريق على ما كان علي عبد الله صالح يقوم به، بترويجه طوال الوقت أنّ أفراداً من تنظيم القاعدة يجدون في تلك الساحات مكاناً آمناً كي يتواروا فيه.
كذلك كان قادة هذا الحزب الديني يذهبون بعيداً في طريق إبعاد أيّ شبهة انتماء أو تعاطف من شباب الثورة مع تنظيم القاعدة، وذلك عندما لم يصدروا أيضاً أي بيان مندد بمقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، بطريقة تمت أيضاً خارج القانون. لكن يبقى الجزء الأطرف في محاولة قادة حزب التجمع الديني للإصلاح تلك عندما كانوا يجبرون شبابهم خلال المسيرات الاحتجاجية على حمل صور تشي غيفارا، كي يحدث تشويش لدى المتلقي الخارجي، ليعقتد بأنّ الثورة التي تحمل صورة الثائر اليساري الشهير أبعد ما تكون عن أي توجه ديني يقوم بالسيطرة عليها.
لكن بقدر ما في هذا التصرف من طرافة أو خفة، إلا أنّه يُظهر، إضافة إلى حالة الصمت تجاه قتل العولقي ونجله وأسامة بن لادن، سعي هذه القيادة الحزبية الدينية، منذ الأيام الأولى للثورة، إلى كسب رضى الإدارة الأميركية، وتقديم نفسها البديل المناسب لنظام صالح بعد سقوطه، وأنّه ليس هناك من مبرر للخوف من التوجه الإسلامي لها.
من هنا يمكن الإشارة إلى أن اللجنة التنظيمية للثورة وقعت في أكبر أخطائها، وذلك عندما انساقت وراء هذا التفكير السياسي البحت، بعيداً عن روح الثورة التي ما انطلقت إلا لتحقيق مبدأ احترام كرامة حياة الفرد اليمني، ووضعه على خط المساواة بينه وبين غيره من البشر، لكن هذا الهدف ــ المبدأ، في حال النظر إلى الصمت الذي كان حيال جريمتي قتل العولقي ونجله، سنراه وقد تشظى ولم يعد مفهوماً تماماً، حيث الموقف الرافض للقتل، لا بد أن يكون موقفاً واحداً لا يتجزأ، ولا بد من رفضه من أي جهة كان. ولا مجال للتنظير السياسي هنا، وجعل حسابات حزبية قذرة كل همها نيل الرضى من «شرطي العالم»، مهما كان هذا مكلفاً، أولوية كبرى. تنظير يعمل على إفراغ المعنى الإنساني للثورة، وتحويلها إلى مجرد أداة كل ما يعنيها هو التخلص من قاتل يدعى علي عبد الله صالح، واستبداله بقتلة آخرين.
* من أسرة «الأخبار»