إنّ أيّة دراسة للثورة في سوريا، لا تنطلق من الواقع، وتنطلق من التصورات عنه، هي دراسة خاطئة جملة وتفصيلاً. الواقع السوري المتأزم اقتصادياً وسياسياً وأمنياً هو سبب حدوث الثورة؛ ودخول أطراف دولية وعربية عليها وفهم سياسوي للثورة، يؤخر حسم المعركة، ولا يعجل فيها، لكنّه لا يلغي أنّ الثورة حدثت لأسباب واقعية. في سوريا كان التدخل الدولي بشكليه، الداعم للنظام والمعارض له، ضد الثورة بكل تأكيد. ولأنّ الأمر كذلك، وهو محدد برؤية المجلس الوطني أو قواه، وأنّ الحل سيكون عبر التدخل الخارجي، عدا دور الهيئة السيئ بالكلام عن الحوار، فإنّه أعاق إيجاد برنامج للانتفاضة تعمل وفقه، وبالتالي تُركت الثورة نهباً للمجلس وزعمائه المتهافتين على الوصول بذلك التدخل. إذن، بحالتي المعارضتين كان الخارج هو حجر الأساس لحل الأزمة السورية.
الدول الامبريالية والإقليمية، ليس لديها أيّ حل، وكان ذلك واضحاً منذ الأيام الأولى لتشكل تلك المعارضات ولانطلاق الثورة، فالأتراك قدموا النصائح المرة تلو الأخرى، وحين أخذوا موقفاً نهائياً من النظام كان موقفهم يستند بالأساس إلى قوة الانتفاضة، لا أكثر ولا أقل.
الروس لا يزالون داعمين ببلاهة الدب للنظام، وكلّ تدويل روسيّ للأزمة هو عامل تأخير لحسم الثورة فقط وضد مصالحهم، وكل تفكير بتغيير سيكون لضمان مصالحهم؛ والأمر ذاته بالنسبة إلى باقي الدول.
الإيرانيون داعمون للنظام بعجره وبجره، وحزب الله كذلك. ذكرنا لحزب الله هنا، متأتٍ بسبب المعادلات الدولية المتعلّقة بتحالفه التاريخي مع النظام وإيران، واصطفافه إلى جانب النظام لإحداث حرب إقليمية في حال حدوث تدخل دولي، وهو أمر مستبعد في الأفق الحالي. الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا أيضاً، لم تقدما سوى كلام عام مبهم عن شكل التدخل الدولي.
المجلس الوطني الذي توهم، ولا يزال، وأوهم الناس معه بأنّه سيكون هناك اعتراف دولي به، وسيكون هناك تدخل عسكري، بمجرد تشكلّه كحدث استثنائي دولي في تاريخ البشرية، لم يتم حتى الاعتراف به... هذا الوهم كما وهم الحوار مع السلطة، اكتمل حينما جرى التنسيق بين أطراف المعارضة أخيراً، فعادوا للخلاف، بسبب الموقف من التدخل الخارجي، وهو ما أخر الثورة عن الانتصار، ولا يزال يمنع إيجاد برنامج للثورة تهتدي به، لذلك تطورت الثورة وتطورت معها مشكلاتها.
ومن أكثر المشكلات تعقيداً: عدم تحرك مناطق واسعة في المدن الكبرى؛ وبقاء أغلب الموظفين خارج سياق التظاهرات وخوفهم على وظائفهم؛ والخوف من شكل النظام القادم وخاصة إن كان أصولياً كما يسود وهماً عند الكثير من السوريين؛ وحمل السلاح بكثافة، ولاحقاً وجود انحرافات لدى المسلحين المحسوبين على الانتفاضة؛ ورغم كل ذلك بقيت الثورة قوية وتتصاعد وذلك بفعل شدة القمع الممارس.
ما ذكرناه هنا، يدفعنا للقول إنّه صار لزاماً «تسوير» الثورة لا تدويلها. ويتطلب ذلك العمل على مجموعة من القضايا، كي يكون ذلك ممكناً. فأولاً لا بد من الثقة بقدرة الطبقات الثائرة على الانتصار، ودعم ثورتها والعمل على مدها إلى مختلف المناطق التي لم تثر بعد، لاعتبارات كثيرة؛ وهو ما يتطلب تقديم رؤيات اقتصادية وسياسية ووطنية. شكّل عدم وجودها كضمانات للمستقبل عزوف تلك الكتل عن الاشتراك بالثورة. ثانياً، التأكيد أنّ النظام الاقتصادي القادم سيضمن للفقراء من الموظفين والعاملين في الدولة، والعاطلين من العمل أجراً يتناسب مع الأسعار، وتعليماً مجانياً، وضماناً صحياً، وتأهيلاً للمناطق الزراعية، وتأمين أسواق لتصريف المنتجات، وسيُعمل على دعم الصناعة المحلية التي دمّرت بفعل نهب القطاع العام والانفتاح الفوضوي ولصالح مافيات مالية في السلطة ومن التجار. ثالثاً، النظام السياسي القادم سيكون ديموقراطياً يستند إلى المواطنة، وستكون الدولة علمانية ولصالح كل السوريين، فلا استبدال لاستبداد باستبداد جديد، بل سيكون لدينا دولة حديثة بكل معنى الكلمة؛ دولة كل السوريين؛ بغض النظر عن طوائفهم وقومياتهم وجنسهم، مع توسيع دائرة حقوق المواطنين ليكون للفقراء التمثيل السياسي الأكبر ولممثليهم الدور المركزي في قيادة الدولة والتخطيط للاقتصاد والنقابات، وعبر العملية الديموقراطية في إطار الدولة العلمانية.
رابعاً، سيكون هناك عدالة انتقالية تضمن انتقالاً ديموقراطياً للسلطة، بعد سقوط النظام، ووفق الأسس القانونية، وإجراء محاكمات عادلة للأفراد، بما يضمن العيش المشترك للسوريين، وأخذاً بالشروط الاستثنائية لفترة الثورة، ولفترة الاستبداد المديد، الذي أجبر كافة السوريين على الكثير من الممارسات التي تصنف في إطار الفساد. وهنا ستكون المحاسبة لرؤوس الفساد والنهب وليس لبسطاء الموظفين، مع إجراء دراسات شاملة لوضع الاقتصاد والعاملين به، بما لا يفرّط بحق أي مواطن، ويضمن له أجراً يتوافق وحاجاته، وأن أيّة هيكلة للاقتصاد وللموظفين يجب ألا تفرّط بحقوق العاملين وبما يضمن بناء اقتصاد متين.
خامساً، تضمن الدولة الجديدة حقوقاً مواطنية للأكراد ولبقية الأقليات القومية، وحقوقاً قومية في إطار الدولة الواحدة، وبما لا يتناقض مع حقوق الأغلبية القومية، بل ونعتبر ديموقراطية الأغلبية مرتبطة بما تحوزه الأقليات من الحقوق التي أشرنا إليها. تحقق ذلك مرتبط بتوسيع دائرة المشاركة بالثورة، وبخلق أكبر قدر ممكن من التحالفات بين أفراد الشعب المختلفين قومياً.
سادساً، رفض عسكرة الثورة، واعتبار أنّ السلاح هو الذي يحسم المعركة؛ فهو يزيد من نزيف الدماء. فنجاح المسلحين في بعض المناطق لا يعني حسم المعركة، فقد يعاود النظام المهاجمة وتكون الكلفة أكبر بشرياً ومادياً؛ فالأفضل أن تبقى الثورة سلمية. والسلاح الموجود بأيدي الثائرين، يجب اعتباره أمراً واقعاً، وأنّ المنشقين من الجيش جزء من المفقرين وهم معرضون للقتل إذا لم ينفذوا الأوامر؛ فإن ّدورهم يكمن حصراً في حماية التظاهرات، وبالتالي، لا داعي لوجود مكتب إعلامي وتصريحات مستمرة وكأنّ المنشقين يقودون الثورة؛ فالعمل العسكري عمل سياسي، وغير ذلك سيكون وبالاً على الثورة وعلى سوريا. نريد إيقاف الحل الأمني لا تحويل الصراع إلى صراح مسلح، وهو ما سيؤخر السقوط...
يشكل العمل بتلك القضايا، دفقة كبيرة لصالح انتصار الانتفاضة، أمّا البقاء في إطار اللغو السفيه، عن التدخل العسكري واعتبار الثورة ثورة مجلس الأمن في سوريا، والالتباس عن شكل الدولة المستقبلية، وعدم وجود رؤية محددة للعاملين في الدولة من الفقراء، ولا سيما الذين انحازوا للسلطة، فإنّه سيؤخّر انتصار الثورة، وسيؤسس لمشكلات اجتماعية في المستقبل؛ يتحمل النظام مسؤولية كبيرة عنها، وتتحمل المعارضة المتصدّية لقيادة الثورة، المسؤولية المكمّلة للأولى.
معرفتنا بهذه المعارضات، وطروحاتها، ومنطق تحليل المنتمين لها، يشي بأنّها معارضة لا تفهم الثورة، ولا تهتم بالثائرين، ولا تزال تعمل بعقلية قديمة؛ تتخيل أنّ الصراع هو بينها وبين السلطة! والأنكى أنّها تورّط كثيراً من الفاعلين في رؤيتها المحدودة للثورة؛ بينما هي ثورة فئات مفقرة، تريد دولة جديدة وليس نظاماً جديداً فقط. قضيتها الوحيدة أن تصبح سلطة بديلة عن السلطة القائمة؛ لذلك تحتاج الثورة لقيادة سياسية ملتصقة بالواقع والطبقات الثائرة.
هذا الجديد، يتطلب جرأة كبيرة تتجاوز كل الأشكال الحزبية للمعارضات الحالية، وتشكيل تلك القيادة والمعارضة الجديدة ببرنامج محدّد للدولة المستقبلية وعلى كافة المستويات. هذا الفعل هو بالضبط ما سيحسم معركة الثورة ضد نظام صار واضحاً أنّه بطور السقوط، وبأسوأ الأحوال، سيحدث تغيير عميق فيه.
* كاتب سوري
9 تعليق
التعليقات
-
هلأ هاد المقال لمين موجه؟و لاغزلك من نور الشمس سوارة وحطا بأيديكي ... مابعتقد موجه لأشاوس الجيش الحر لأنن عم ينفذوا عمليات نوعية و مو فاضيين للجرايد و مابعتقد للأخوان لأنو عندن المرجعيات تبعن مابعتقد مقال موجه إلي لأنو الي شفتو من هالثورة بيسود الوش و انطباعي عنا أخد شكلو النهائي بعتقد الكاتب عم يكتب لنفسو حتى يثبت لنفسو مو اكتر
-
بصراحةحكي الكاتب عن عدم تسليح الثورة صحيح .. لأنه رح يأخر سقوط النظام العلوي بس السؤال : انت عم تقول ((تسوير الثورة)) ، طيب شو مشان كتائب :((أبو عبيدة)) و((معاوية بن ابي سفيان)) و((خالد بن الوليد)) و((القعقاع)) وإلخ مما يسمى بالجيش الحر ؟ هي مو اسمها ((أسلمة الثورة)).. تخيل انا مسلم واجو المسيحية مثلا سمو ((كتائب الأب فلان )) و كتائب الأب ((فلان التاني عشر)) يعني احكي شغلة واقعية يا كاتب سوري !!!
-
ذكرتني وأنت تتحدث عن الدولةذكرتني وأنت تتحدث عن الدولة الجديدة التي تحلم بها بمواضيع الإنشاء التي تعودنا كتابتها في المدارس، والتي تكثر فيها كلمة يجب ، والكل كان يكتب يجب ، وهو يعرف أن اليجب لا تنطبق عليه ، بل على الآخرين!! طيب سؤال، هذا الشكل الوردي للدولة التي تحلم بها ، كيف يستطيع ثوار النيتو تحقيقها؟؟ وكيف ستنجزها معارضة تقول أنت فيها ما تقول، فكيف بمن لايؤيدها؟! ثم ترفض عسكرة الثورة، وتنتقد المسلحين، ثم تقول "الأفضل أن تبقى الثورة سلمية" الأفضل، أي انك تبقي خيار العسكرة ممكناً لكنه ليس الأفضل!!. ثم تعتبر السلاح أمراً واقعا "السلاح الموجود بأيدي الثائرين، يجب اعتباره أمراً واقعاً، وأنّ المنشقين من الجيش جزء من المفقرين وهم معرضون للقتل إذا لم ينفذوا الأوامر؛ فإن ّدورهم يكمن حصراً في حماية التظاهرات". بالله عليك اشرح لنا كيف يحمي المسلحون المظاهرات؟؟ ألا يعرض حملة السلاح المتظاهرين للخطر. يعني إن صدقنا هذه المقولة، فلنتخيل رجال أمن رأوا مسلحين يشهرون سلاحهم في مظاهرة، هل عيهم أن يلقوا التحية عليهم، ويذهبوا؟ّ هل هناك دولة في العالم تسمح بهذا؟11 أن يحمل السلاح ويشهر جهاراً نهاراً. بت على يقين أن جلكم-أيها المعارضون_ تعيشون في كوكب آخر، والمثقفون من أمثالك يتعاملون بتعال مع الواقع، يطلقون أحكامهم وكأنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة. أخيراً أستاذ ديوب أستغرب قراءتك للموقف الروسي، تقول" الروس لا يزالون داعمين ببلاهة الدب للنظام " هكذا أصبح الروس بنظرك بلهاء!!! والله لا أدري، أنحن البلهاء أم هم؟!! إن كنا لا نستطيع فهم دوافع الروس الاستراتيجية لموقفهم الداعم لسورية فهل نحن كتاب ومثقفون بحق، أم نحن أطفال ما زلنا نحبو في عالم السياسة.
-
سنضعك على القمر أما كيف سنفعل ذلك فلا أعرفستكون دولة ديمقراطية!!! كيف سنقيمها؟؟؟ لا جواب سنحرر الجولان!!!! كيف؟ يا ريت بلا جواب لأن الجواب بعد بناء دولة أنشأها الناتو!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! سنحارب الفقر و ننشئ اقتصاد يفيد الجميع!! ما شكل و أليات هذا الأقتصاد و كيفية التحول له؟؟؟؟؟؟ لا جواب و يستمر الأمر لدرجة أن المعارضة لا تبيعنا سمك بالبحر فقط بل سمك ببحر على كوكب أخر. المعارض قدري جميل له برنامج واضح و كذلك نبيل جلاحج عندما تحدث بمؤتمر الحوار و لكن للأسف الفكر الأقصائي لدى الفوار جعل كل من يرفض تدمير البلد و لديه برنامج للمستقبل(ليس أحلام وردية بدون فكرة عن كيفية تحقيقها) عميلا للنظام بمجرد كونهم مستعدين للعمل مع النظام لمستقبل سوريا.
-
قصة المجارير تكررت واصبحتقصة المجارير تكررت واصبحت مضحكة يعني شو 2500 ربطة خبز في مجارير حلب !!!!! إذا الخبر صحيح كان السلام على المجارير لان الجميع يعلم ان 3 ربطات خبز تسد المجارير يا ريت يلاقوا كذبة افضل ثم مدينة حلب كلها على 2500 ربطة خبز؟يكون بالعلم اننا في ضواحي دمشق مقطوعين من الخبز منذ يومين (يمكن نلاقي الخبز في المجارير).
-
غوغائية قادة الثورةاود ان اكد على حق كل انسان بالحرية والعيش الكريم وضرورة سعي الحكومات على تحقيق ذلك ووضع السياسات الاقتصادية وان يكون هناك محاسبة وتقييم لها وضرورة تغييرها عند اثبات فشلها, كنا نامل نحن من خرجنا بالبداية بمطالبة السلطات بالحرية والعيش الكريم وبعد ذلك عزفنا عن التظاهر لخيبة املنا باي قيادي ممن يسمون انفسهم مجلس وطني ان يشرح لنا ولو بكلمة ماهو شكل الاقتصاد السوري المستقبلي ,ماهي اوجه الخلل او نقاط القوة فيه , على ماذا سوف يعتمدون في تحسين مستوى المعيشة (الزراعة,الصناعة,........)لم نجد احدا منهم يفقه لا بالسياسة ولابالاقتصاد .... جملتين فقط حفظها كل عضو بالمجلس الوطني وكانك امام طلاب مدرسة او روبوتات او ببغاء يرددون .....سقوط النظام الدموي ....والتدخل الاجنبي لحماية المدنيين ..... يااخي انا مواطن من حقي ان اعرف شو هو برنامجكم الاقتصادي والاجتماعي ....لم اجد الجواب وانا ابحث بالنت عن تصريحات كل ممن يسمون معارضة مجلس اسطنبول ....
-
ثوار يلقون الخبز في المجاريرثوار يلقون الخبز في المجارير ويفرغون المازوت في قنوات الصرف الصحي نكاية بالدولة ويهددون بتفجير نبع الفيجة بشرفك شو رايك بهيك ثوار
-
على فكرة إذا الشي ما إلوعلى فكرة إذا الشي ما إلو بداية، ما بيكون إلو نهاية عرفت كيف ؟