تتردد بين فترة وأخرى ـــــ وخاصة حين يتحدث أحد المسؤولين عن الإصلاح ـــــ شائعات مفادها أنّ قراراً سيصدر قريباً بانتخاب نصف أعضاء مجلس الشورى السعودي. وطبعاً يترقب الناس الحدث ويبدأون في مناقشة التوقعات، ولا يصدر القرار. غير أنّ الموضوع بحاجة إلى نقاش: هل نحن فعلاً أمام خطوة إصلاحية؟انتخاب نصف أعضاء مجلس الشورى ليس خطوة متقدمة على مستوى المشاركة الشعبية في صناعة القرار، كما قد يتصور البعض. فلا وزن أو تأثير للقرار الشعبي في ظل حالة «التعادل» القائمة بفعل تعيين نصف أعضاء المجلس، وبالتالي يمكن تعطيل أثر الانتخاب بكل بساطة، إذا لم يتمكن الأعضاء المُنتخَبون من صناعة قرار المجلس. كذلك لا يمكن إعطاء صبغة ديموقراطية أو إصلاحية لمجلس لا تنبثق إرادته من إرادة الشعب، ولا يعبّر عن القرار الشعبي بنحو كامل وواضح لا لبس فيه.

أيضاً، لا قيمة لانتخابات نصف أعضاء مجلس الشورى، إذا لم يتحوّل ذلك المجلس إلى برلمان كامل الصلاحيات يستطيع أن يحاسب ويراقب عمل كل مسؤول وشخص في الدولة «كائناً من كان»، ويمكنه سن قوانين وتشريعاتٍ ملزمة، بعيداً عن التوصيات التي توضع لاحقاً في الأدراج. أي مجلس ينتخب نصف أعضائه أو كلّهم ويفتقر إلى الصلاحيات يتحوّل إلى دعاية صورية تقدم كمادة لتحسين الصورة في الإعلام الأجنبي، لكنّها ـــــ مثل المجالس البلدية المفتقرة إلى الصلاحيات ـــــ لا تقنع المواطن ولا تلبي مطلبه بالمشاركة الفاعلة والحقيقية.
ببساطة، لا تُسَمَّى خطوة ما «إصلاحية» ما لم ينتج منها إصلاح، ومثل تلك الخطوات لا ينتج منها غير المزيد من الفرقعة الإعلامية. فمن الممكن أن يتخيّل أي مواطن ما سيحدث في حال صدور قرار انتخاب نصف أعضاء مجلس الشورى: ستقام الحفلات في الصحف الحكومية لتصف عظمة القرار، وسيتحدث من عارضوا فكرة الانتخاب ومجدوا سياسة «الباب المفتوح» عن الخطوة الجبارة وعن كونها تمثل الإصلاح الحقيقي. والأهم أنّ إشادات غربية ستمنح للقرار، وتعدّه نموذجاً للتغيير، وهكذا تتحقق الفرقعة مقدمة نموذجاً جديداً من نماذجها.
تكررت هذه الفرقعة كثيراً؛ فقد عايش المواطنون السيناريو نفسه في 2005 حين أُقرّ انتخاب نصف أعضاء المجالس البلدية، ولوضوح الفرقعة وفشل التجربة وغياب «التطور التدريجي» الذي كان يُحكى عنه، حصلت مقاطعة شاملة لانتخابات 2011. يمكن عرض نموذجين إضافيين لفرقعة لا تقود إلى إصلاح: دخول المرأة مجلس الشورى والمجالس البلدية، والسماح بعمل مؤسسات المجتمع المدني.
قُدِّم دخول المرأة مجلس الشورى والمجالس البلدية على أنّه تعزيز لمشاركة المرأة السياسية، لكن الحقيقة أنّه لا مشاركة سياسية في هذه المجالس للرجل أو المرأة؛ فغياب الصلاحيات والأسس الديموقراطية للانتخاب والعمل في هذه المجالس يجعل دخول المرأة تجميلياً بحتاً. وهنا نعود إلى السيناريو ذاته: تحتفل الصحف وكتابها الحكوميون، ويلتقط الغرب إشارة إصلاحية فيشيد بها، ولا يتغيّر وضع المرأة التي تفتقر إلى حقوقها الأساسية الإنسانية في المجتمع، وتُغيَّب وتُهمَّش عبر مقايضات مع الشريك السلفي المتشدد، ولا توضع المشاركة السياسية وصناعة القرار في مجالس التوصيات والاستشارات.
أما مؤسسات المجتمع المدني، فلم يُقَرّ تنظيم عملها المجمد منذ سنوات، لكن بعض الهيئات والجمعيات المهنية ظهرت على السطح في السنوات الأخيرة، وأعطت إشارات سلبية عمّا يمكن أن تكون عليه الحال عند السماح بعمل مؤسسات المجتمع المدني. فهيئة الصحافيين على سبيل المثال، تمثل تغلغلاً للدولة عبر صحافييها في مؤسسة يفترض أن تكون مستقلة ومتمايزة عن الدولة، بل أن تمثل مصالح هذه الفئة من المجتمع في مواجهة الدولة. فمؤسسات المجتمع المدني تفرغ من مضمونها ما لم تكن ممثلة لمصالح الفئات الاجتماعية المختلفة عبر تمايزها عن الدولة، وأي خلل في هذه التركيبة المعروفة على مستوى العالم يعني أنّ الصورة والفرقعة تنتصر مجدداً على أي فكرة إصلاحية في إقامة تلك المؤسسات.
لا يمكن أن تقدم قرارات فوقية لا تراعي أهمية تفعيل المؤسسات عبر الخيار الشعبي إصلاحاً حقيقياً، وستبقى في دائرة الصور التجميلية والفرقعة الإعلامية. فلا يجتمع تفعيل عمل المؤسسات المستند إلى الخيار الشعبي، مع تغوّل الدولة فيها ومناصفة الخيار الشعبي في قراراتها. ولا يمكن أي عمل مدني أن يحقق المرجو منه ما دام مدجناً في إطار الدولة. وإذا أُقرّ تنظيم عمل المؤسسات المدنية بما يجعل السلطة العليا على هذه المؤسسات لما يسمى «الهيئة الوطنية للجمعيات والمؤسسات الأهلية»، فإنّ ذلك يعني ألا قيمة تذكر لهذه المؤسسات، وأنّ وجودها مكمل لمؤسسات الدولة ولا يعبّر عن قوى مدنية فاعلة تنحاز إلى المواطن وحقوقه.
وبالعودة إلى مسألة الانتخاب، يمكن القول إنّها بلا قيمة ما دامت لا تستند إلى أسس صالحة تتمثل بحياة مدنية حقيقية وحياة سياسية مفتوحة وتعددية. فلا معنى للانتخاب في غياب حرية العمل والحركة والتعبير المدني، ولا يبدو أنّ إصلاحاً يمكن أن يتحقق ما لم يستند إلى فتح المجال أمام العمل الشعبي الحر من خلال المؤسسات والجمعيات والنقابات ووسائل الإعلام. فللانتخابات لوازمها أيضاً، وهي لا تعني أوراقاً توضع في الصندوق، بل حياة سياسية كاملة تعطي معنى للأوراق الموضوعة في الصناديق.
لا ينبغي أن تكون الانتخابات غاية في ذاتها، فهي في نهاية المطاف وسيلة لتمكين الناس من المساهمة الحقيقية، لا الصورية، في صنع القرار المتعلق بحاضرهم ومستقبلهم. وإذا لم يُسهم المواطن في صنع القرار عبر صوته الانتخابي فإنّه لا ينتخب... بل يُصَوِّر بجانب الصندوق.
* كاتب سعودي
www.almqaal.com