ليست الدساتير هي التي تحدّد أشكال الحكم، خصوصاً في الأنظمة الديكتاتوريّة. والذي يحكم على نظام صدّام حسين من خلال معاينة دستوره، يُخيّل إليه أن العراق كان يحكمه رئيس مُنتخب ومُتنوّر. والدساتير في الأنظمة الديموقراطيّة تكون أحياناً مجرّد هيكليّة أو مؤشّر عام. أما في أميركا، فالدستور الأميركي بقي هو إيّاه من أواخر القرن الثامن عشر (1787) _ مع تعديلات لاحقة، وهناك فقه دستوري يُسمّى هنا «المقاصد الأولى»، وهو يتعلّق بدراسة وتبيان نيات الآباء المؤسّسين في صياغة كل كلمة في الدستور. وتعديل الدستور مسألة صعبة هنا لأن الشعب الأميركي (والمؤسّسين) محافظون ولا يريدون أن يجعلوا النظام السياسي عرضة أو تبعة لأهواء الناس _ وقد كتب الآباء المؤسّسون ضد الديموقراطيّة (يفصلون بين «الجمهوريّة» و«الديموقراطيّة» إذ إن الأولى هي نظام حكم تمثيلي _ مضاعف إذا أخذنا في الحسبان «الكليّة الانتخابيّة» في اختيار الرئيس). ألكسندر هاملتون أفتى أن «الجماهير المتغيّرة والمتقلقلة» نادراً ما «تحكم أو تقرّر الحق»، بينما حثّ جورج واشنطن أعضاء المؤتمر الدستوري على عدم إنتاج وثيقة «لإرضاء الناس». كان حكم الديموقراطيّة لهؤلاء هو حكم «الغوغاء»، ولهذا وضعوا أسس نظام سياسي نخبوي لا يثق بالناس (وساد تعيين _ لا انتخاب _ أعضاء مجلس الشيوخ حتى أواخر القرن التاسع عشر). وحتى بنجامين فرانكلين، الليبرالي بمعايير ذلك الزمن، قال إن قدرة العامّة على لعب دور المواطنيّة الفعالة مشكوك فيها. وفي أوّل رسالة للرئيس جورج واشنطن إلى الكونغرس دعا الناس إلى التمييز بين «القمع وضرورة ممارسة السلطة القانونيّة» وإلى التمييز بين «روح الحريّة والتفلّت».لكنّ هناك دولاً ذات نزعات أكثر ديموقراطيّة: في الحقبة التي حافظت فيها أميركا على دستورها، غيّرت فرنسا دستورها 16 مرّة. الشعب الفرنسي أكثر ترحيباً بالتغيير، حتى لو كان جذريّاً، من الشعب الأميركي. وليس صدفة أن النظام الأميركي الرئاسي غير سائد في أوروبا. حكم النخبة للعامّة والتشكيك في قدرات العامّة كان أساسيّاً في وضع دستور على أيدي من تأثّر بتوماس هوبس وكالفن والمحافظين من الإغريقيّين. لكن الدساتير في الدول الديموقراطيّة تؤشّر إلى ضوابط وحدود ومفاصل لعمل النظام السياسي، وإن كان غير واضح المعالم معظم الأحيان. والمحكمة الدستوريّة في أميركا (أعضاؤها التسعة يعيّنهم الرئيس الأميركي مدى الحياة) هي التي تفصل في مدى دستوريّة القانون لا المجالس الاشتراعيّة كما في الديموقراطيّات البرلمانيّة التي تثق بحكم الشعب.
أما الدساتير في بلادنا فهي تُصاغ وفق أهواء كل حاكم، وتُفصّل على مقاسه. المهم هو في الحرص على المزاعم الدينيّة لحكّام غرق الكثير منهم في الكحول والممنوعات، فيما هم كانوا يعظون العامّة بضرورة اجتناب ما يسمّيه الدين «الموبقات». (قد يكون الزعيم الإسلامي الفذّ، حسن الترابي، ضمن حياة تقاعديّة قبل سنوات لكثرة ما ساهم في وضع دساتير لدول الخليج). هناك دول لا دساتير لها (بريطانيا لأنها «أكبر» من وضع دستور، وهي ترى في تاريخها أصل الديموقراطيّة، والسعوديّة والكيان الغاصب لزعمهما أن كتابهما المقدّس هو الدستور _ لا ندري إذا كان آل سعود قد قرّروا إبدال القرآن بالتوراة تقرّباً من نتنياهو ومساهمة في «الحوار بين الأديان»، الذي لم يكن إلا جوازاً للحوار بين الملك السعودي وشمعون بيريز في عشاء حميم في نيويورك).
قائد الانقلاب السيسي، طاغية مصر الجديد، رأى أن من الضروري وضع دستور جديد لمصر، وذلك من أجل التعجيل في «انتقائه» رئيساً أبديّاً لمصر، وخصوصاً أنه يرى في نفسه _ كما يرى فيه الكثير من المصريّين _ عبد الناصر آخر، مع أن المسافة بين الرجلين لا تقلّ عن المسافة بين أحمد فؤاد نجم وأنيس منصور. ما علينا. هناك قاعدة شعبيّة للرئيس الجديد، والمخرج المصري الناصري خالد يوسف أفتى بأن الدستور الجديد يتفوّق على معظم الديموقراطيّات من حيث ضمان الحريّات.
يبدأ الدستور المصري الجديد بفذلكة، أو ديباجة، وهي تعجّ بالإنشاء وأخبار الفرح لانبلاج فجر جديد وعن العصافير وهي تزقزق. لكن الديباجة تلك فيها من الشوفينيّة الوطنيّة التي تذكّر بشوفينيّة الوطنيّة الفينيقيّة إلى درجة أنها زهت بأن مصر «قدمت للبشريّة أول أبجديّات الكتابة». على مصر أن تحسم خلافاً قد يستحكم مع لبنان، إذ إن وطنيّيه لديهم الفخر نفسه. (بات هناك تشابه بين الوطنيّة المصريّة الحادة وقرينتها اللبنانيّة، وهناك في مصر اليوم من يزهو بعالم مصري لم يسمع به أحد على أنه هو أيضاً كان وراء نظريّة النسبيّة، وينسبون على «فايسبوك» لأينشتاين مدائح عنه). لكن الفذلكة أضافت معلومة أن مصر «أطلقت عقيدة التوحيد». هل هذا على نسق «الرسول جاء من مصر»؟ أما في المبادئ الواردة في الفذلكة، فالثانية منها لافتة: «إسهام الشعب في صنع القرارات الوطنيّة». هذا يوحي بأن هناك شريكاً خفياً للشعب، لكنه غير مُحدّد الصفات. وكيف يوفّق الدستور بين زعم ديموقراطيّة و«مساهمة» _ مجرّد مساهمة _ الشعب في صنع القرار؟ وإذا كان الشعب هو صاحب السيادة (حسب المبدأ الأوّل) فلماذا لا يكون هو صانع القرار لا مجرّد مساهم؟ للسيسي أغراض مضمرة يكشفها الدستور.
أما المبدأ الثالث فهو يشيد بالإنسان لكونه «أرقى» مخلوقات الأرض و«أكثرها ذكاءً وحكمة»، وفي هذا إهانة غير ضروريّة للسعادين والحمير والجرذان والنسانيس والدواجن وغيرها من الحيوانات المُحترمة. ثم من قال إن الإنسان هو أكثر ذكاءً وحكمة؟ بين الثعلب أو النملة أو طائر الحبش وبين عدد من الحكّام العرب، أجزم بأن النملة تتفوّق على معظهم في الحكمة والذكاء. أما البند الخامس فمُقلق، إذ إنه يقول بلهجة شبه عسكريّة «لا صوت يعلو على قوة الحق». لكن من يحدّد قوّة الحق هذا وطبيعته؟ هل هذا متروك لخطب السيسي مثلاً؟
أمّا القوّات المسلّحة المصريّة الحاكمة للبلاد، فقد نالت قسطها من التقدير والتبجيل (الدستوري) في المبدأ الثامن الذي تحدّث عن «حشد» الموارد البشريّة والاعتمادات الماليّة» من أجل «الدفاع عن الوطن». وتحدّث البند المذكور عن المكانة «الخاصة والراسخة» التي تحتلها القوات المسلّحة في «وجدان الشعب المصري». الديماغوجيّة هي في الثناء على الجمهور من أجل حكمه وقمعه باسمه هو. لكن فذلكة الدستور تبدو في بعض الأقسام مثل البيان السياسي أو المنشور الإعلامي، إذ إن البند الثامن أصرّ على أن المؤسّسة العسكريّة هي «وطنيّة محترفة محايدة لا تتدخّل في الشأن السياسي». عليك أن تصدّق أنّ الذين وافقوا في لجنة الخمسين على هذا البند لم يعلّقوا عقولهم. المؤسسة العسكريّة تشن حملة دمويّة ضد الإخوان المسلمين وضد كل من يرفع الصوت في وجه السلطان العسكري، وهي في الوقت ذاته محايدة وغير مُسيّسة؟ هل السيسي هو فوق البشر ولا تنطبق عليه معايير الناس العاديّين؟
لكن الاعتباط السياسي الذي يحكم أداء الفريق السيسي (الذي يجمع بين دعم آل سعود ودعم الناصريّين في مصر) يظهر في مشروع الدستور: هناك محاولة مصطنعة للتوفيق بين مختلف عناصر مشروع السيسي. فالبند الحادي عشر من الديباجة موجّه إلى الناصريّين، وفيه إشارة، من قبل رفع العتب وبعد أطناب في مديح الأمّة المصريّة وأصولها الفرعونيّة (الحنيفة وفق سرديّة مقدّمة الدستور)، إلى «الوحدة العربيّة»، لكن كمجرّد «أمل» مثل آمال الناس في عمر مديد. كذلك فإن باقي البند المذكور مُستقى من نظريّة دوائر الهويّة المذكورة في «فلسفة الثورة» (وهي تطلّ علينا مرّة أخرى في المادة الأولى من الدستور). لكن البند الثاني عشر ناعم (على طريقة برنامج «كلام نواعم» الذي ينتمي في عنوانه على الأقلّ إلى أفكار ذكوريّة بدائيّة عن المرأة) وهو يشير إلى «تجسيد القوة الناعمة» التي مثّلها إسماعيل ياسين في أفلامه، من دون الانتقاص من مساهمات القوّة الصلبة لوحش الشاشة، فريد شوقي.
وبعد أن يتذكّر مشروع الدستور الأمة العربيّة في إشارة عابرة، يعود إلى التبجّح الشوفيني، فيتحدّث في البند الثاني عشر عن ريادة مصر لـ«العالم كلّه» (ويضيف أيضاً «المنطقة المحيطة»، مع أن المنطقة المحيطة هي جزء من «العالم كلّه». دعهم يهذون). لكن التأثير اللبناني يظهر أيضاً في البند نفسه عندما يقترن الحديث عن الأزهر «الشريف» (لماذا «الشريف»؟ من أسبغ الشرف عليه مع أنه لم يكن إلا أداة بيد الحاكم على مرّ العصور؟) و«الكنيسة الوطنيّة». ها هو الصليب والهلال يتعانقان على أرض الكنانة، لكن تعانق الهلال والصليب، ونشر صور لقسّيس يعانق شيخاً في الصحف المصريّة، لا يذكّر إلا بمقدّمات الحروب الأهليّة اللبنانيّة.
غير أن الإشكاليّة الدينيّة (أو «عقدة الإسلام» على قول ياسين الحافظ) تطلّ برأسها في المادة الثانية التي تعلن «الإسلام دين الدولة». هذا الإعلان بات لازمة في الدساتير العربيّة، لكن لا معنى له على الإطلاق في الفقه الدستوري أو الفلسفة السياسيّة، وهو متدنّ عن الإطار السياسي لعقد «المدينة» بتوقيع الرسول نفسه. ما معنى أن يكون للدولة دين؟ وهل الدين هو للبشر أم للجماد أيضاً؟ هل للكراسي دين؟ وماذا عن الملاعب والأشجار والفواكه؟ هل لها دين هي أيضاً؟ وإذا كان للدولة دين فلماذا لا يكون للهواء دين أيضاً؟ وإذا كان للدولة دين مُعلن، فهذا يعني أن على الدولة أن تتمّم شعائرها الدينيّة. هل الدولة المصريّة ستمارس شعائر الصلاة بعد الوضوء مثلاً؟ هل هي ستحجّ وستصوم وستزكّي؟ ثم أليس من الإهانة أن تكون للدولة ذات الدين الإسلامي المُعلن علاقة تبعيّة بأميركا وإسرائيل مثلاً؟ ألا يشين هذا الإسلام من حيث السياسة لا من حيث الدين، كدين؟ والمادة الثالثة تزيد من الإشكاليّة عندما تعلن أن «مبادئ شرائع المصريّين من المسيحيّين واليهود» هي المصدر الرئيسي لأحوالهم الشخصيّة. ولماذا ذكر اليهود فقط، وليس مثلاً الشيعة (وهناك من يكفّرهم في مصر) أو البوذيّين أو الهندوس أو _ تلك الفئة المنسيّة دستوريّاً في كل البلاد العربيّة، أعني _ الملاحدة؟ ألا يشملهم الدستور؟ ومع علمي بهدر دم هؤلاء وبالمطالبة (عند البعض) بحرقهم، لكن ماذا عن المؤمنين العلمانيّين الذين لا يستسيغون أنظمة الأحوال الشخصيّة المُستنبطة من الشرائع الدينيّة لقرون خلت؟ ألا يستحق هؤلاء إشارة ولو عابرة؟
وتغيب الدولة المدنيّة عن الدستور في المادة الرابعة التي تكيل المديح لمؤسّسة الأزهر المطواعة (تلك المؤسّسة التي ناصرت مقاومة العدوّ الإسرائيلي في العهد الناصري وعادت بعد سنوات قليلة في العهد الساداتي لتؤيّد مهادنة العدوّ بعدما عثر كبار علمائها على آية قرآنيّة («وإن جنحوا للسلم فاجنح لها») تتنبّأ برأيهم الحصيف في اتفاق كامب ديفيد المُبارك دينيّاً (من قبلهم هم؟))، بعد أن تتكفّل الدولة برصد «الاعتمادات الدينيّة الكافية» (الكافية لتحقيق أغراض الحاكم، طبعاً) تعود لتؤكّد على دور الأزهر في «نشر الدعوة الإسلاميّة»، أي إنّ الدولة المصريّة الثوريّة الجديدة هي دولة دينيّة دعويّة وتقوم بدور المسحراتي الرسمي في شهر رمضان لحثّ الناس على المواظبة على الصيام.
لكن تهافت الدستور الفكري، أو تهافت تهافته، يظهر في المادة السادسة التي تمنع قيام أحزاب سياسيّة قائمة على «أساس التفرقة بين المواطنين بسب الجنس أو الأصل أو الدين». لكن أليس هذا ما فعله الدستور نفسه في مختلف مواده؟ أي إن هذا الدستور حرّم وجرّم أفعال الدستور نفسه، وإن كان هو يقصد تحريم الإخوان وتجريمهم. ولماذا تنطبق هذه المادة على الإخوان دون غيرهم من الأحزاب الدينيّة ولا تنطبق على السلفيّين؟ هل هذا بسبب سخاء الراعي السعودي للسيسي؟
لكن لا ننكر أن هناك طابعاً كوميديّاً مميزاً في صياغة الدستور. فالمادة التاسعة مثلاً تتعهد بتوفير «الطمأنينة» لجميع المواطنين. لكن كيف تفعل الدولة ذلك وما السبيل إلى توفير الطمأنينة؟ والطمأنينة ليست مثل الأمن، ولا تخضع لمعايير القياس والتقويم (مع اعترافنا بأن عالمنا الجميل بات أكثر أمناً وسلامة منذ أن تبوّأ الوزير اللبناني السابق، إلياس المرّ، رئاسة «صندوق الإنتربول لعالم أكثر تعليباً»). والمادة العاشرة محض أخلاقيّة، وهي عن حماية تماسك الأسرة. قد نرى السيسي يجول على المنازل لمنع الطلاق ولفك اشتباكات الأزواج. لمَ لا؟ هو الدولة الدينيّة الفاضلة، والدولة الدينيّة الفاضلة هي السيسي. ثم كيف تتنطّح الدولة وتزعم (زيفاً بالطبع) أنها سـ«تكفل... التوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها العام»؟ كيف ستقوم بذلك؟ هل سيجول السيسي على المنازل وسيساعد في إعداد طعام العشاء، مثلاً، أم سيلاعب الأطفال حتى تعود المرأة من عملها العام (وما هذا القول عن «العمل العام» وكأن عمل المرأة في المنزل ليس عملاً، فقط لأنه عمل بلا مردود ماديّ؟).
وتطلّ دولة الفضيلة برأسها البشع مرّة أخرى في المادة الثانية عشرة عندما تعدنا بأنها «ترعى... الأخلاق والآداب والنظام العام». وكيف ستحقّق ذلك؟ هل ستجول دوريّات الشرطة على المنازل لمنع الكلام البذيء، أم أن الراعي السعودي السخي سينفق من ماله لإنشاء شرطة أخلاق فعّالة؟
وإذا كان الدستور اعتباطيّاً في وعوده عن الهويّة، فهو شديد الاعتباطيّة في حديثه عن الاقتصاد. يخيّل إليك أن قريحة السيسي تفتّقت عن وضع نظريّة اقتصاديّة جديدة (تستحق أن توضع في كتاب أصفر أو أزرق _ اللون الأخضر وقف على القذّافي) تقوم على «المشاركة بين رأس المال والعمل»، أي إن ميليارديريّي الفساد في مصر سيتعاونون مع العمّال الفقراء لرفع مستوى معيشة الجميع. قد يبدو هذا الكلام من باب رفع العتب، إلا إذا كان القصد أنّ نجيب سويرس، مثلاً، سيلقي التحيّة صباحاً على «الفرّاش» على غير عادته، إمعاناً في «المشاركة» بين الطبقات.
وقد تكون المادة الواحدة والثلاثون موجّهة إلى باسم يوسف، إذ تقول: «الكرامة حق لكل إنسان، يكفل المجتمع والدولة احترامها وحمايتها، ولا يجوز بحال إهانة أي إنسان أو إزدراؤه». تحريم السخرية على النحو المذكور فريد من نوعه. قد تكون هذه المادة مقدّمة لمنع الكوميديا في مصر.
ويعود الدستور الذي يعد بالحريّات ليقع في التناقض عندما يحظر (في المادة الخامسة والأربعين) «الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء كافة». من المشكوك فيه أن يعني الرسل والأنبياء كافة. هو يعني الرسل والأنبياء الذين يُعترف بهم في المسيحية واليهوديّة والإسلام. أجزم بأن الدستور لن يكترث لو أن هناك إساءة ضد رسل وأنبياء أديان تعدد الآلهة. أجزم بأن الدستور لن يحرم شيوخ الدين من التعريض بآلهة أديان أخرى غير الأديان الإبراهيميّة، على ما يسمّونها بلغات غير عربيّة.
يؤسّس السيسي بدعم شعبي وقوي (قد يتضاءل فيما يتبيّن للشعب المصري أن ضحايا قمع المؤسّسة العسكريّة لن يكونوا حصراً من الإخوان فقط) وبرعاية مالية من أنظمة الخليج لجمهوريّة لا تختلف إلا في نمط السلطة وأسلوبه عن جمهوريّة السادات _ مبارك، وهي لا تقلّ عنهما في الالتزام بالولاء لأمن العدوّ الإسرائيلي. وجمهوريّة السيسي ستزداد شراسة، لأن القطاعات المعارضة ستزداد وستنقص القاعدة الشعبيّة للنظام، ما سيزيد من الحاجة إلى القمع والقتل اللذين امتهنتهما المؤسّسة العسكريّة منذ تأسيس نظام كامب ديفيد (إن عدد القتلى في أشهر القمع منذ انطلاق الانتفاضات المصريّة في عهديْ مبارك والسيسي يزيد على عدد كل الضحايا في عهد جمال عبد الناصر، الذي لا تتوقّف أبواق أمراء آل سعود عن التذكير بقمع عهده).
لن يكون مشروع الدستور بعد إقراره مؤشّراً لمسار الجمهوريّة والسياسة في عهد السيسي. الدساتير العربيّة إهانة لذكاء الشعب العربي لأنها تعتمد على افتراض تصديق الناس لوعود الطاغية. واللافت أن دستور السيسي استوحى أفكاره من دستور تأسيس الجمهوريّة الساداتيّة. تعلم أنّ الانتفاضة المصريّة نجحت، أو أنها ارتقت إلى مرتبة الثورة، عندما تتفوّق الحالة السياسيّة المصريّة الراهنة على وعود الدستور.
* كاتب عربي (موقعه على الإنترنت:
angryarab.blogspot.com)