يستعجل بعض من فريقي 8 و14 آذار الحديث عن تسوية أنجزت، حكومة مقابل رئاسة. إنّها الفرصة بالنسبة لكليهما – هذا البعض – ويشرع كلّ منهما ينظّر للإنجاز. لو فرضنا جدّية ما يطرح وقرب انتقاله إلى حيّز الإعلان الرسمي فهذا لا ينبغي أن يُغفلنا عن حقائق ووقائع يفترض النظر فيها بنظّارة تجنبّنا التسطيح وتساعدنا في التقدّم بهذا البلد ولو بحدود. نسأل: هل تسوية وفق صيغة تكون فيها رئاسة الجمهوريّة الى 8 اذار ورئاسة الحكومة الى 14 آذار (ولو أضيف اليها ضمنا قيادة الجيش) ستساعد في دفع البلد خطوة وتخرجه ممّا هو فيه ولو نهنهة؟ هل معطيات الإقليم ومجريات أحداثه حتى اليوم تتناسب مع هكذا تسوية؟ والانقسام العمودي الذي يخترقها من لبنان الى كل أقطارها؟ وإلى أي مدى ستكون هكذا تسوية محكومة بالنجاح إذا لم تسر بما ينسجم مع مآلات وسيناريوهات الغد في هذه المنطقة الملتهبة. هل هكذا صيغة ستكون مقبولة من الأطراف اللبنانيين؟ أسئلة تفترض الإجابة عليها تحديد المقبول والمعقول في أية تسوية طالما أنّا مقتنعون أنّ لبنان بلد التسويات، ولا يفترض أنّ أحداً يريد إلغاء أحد أو الافتئات عليه بعد أن ثبت فشل هذه الممارسة وهشاشتها.
كيف ستتصرفالسعودية إذا ما جمِّدت المعركة في اليمن؟
رغم رجحانها – المعركة - البائن لصالح خط ومحور المقاومة والتوقّع الكبير بإمساك هذا المحور بزمام المبادرة، إلّا أنّ الجميع يعلم لا سيّما القوى المنخرطة في سوريا والعراق وربّما اليمن أننا لا زلنا في قلب المعركة وأتونها، وبالتالي الحذر والتنبّه من أي خطوة أمر بالغ الأهمية... فلربما تكون إدارة الأزمة بتوتر منخفض وبعض السلبيات خير. هل من دور مرشّح لإسرائيل في الأزمة السورية بعد أن استعاد الجيش السوري المبادرة وتجاوز محور المقاومة لاءات أميركا والسعودية؟ هل سيطلب منها في لحظة ما الدخول على خط الأزمة؟ كيف ستتصرف السعودية إذا ما جمِدّت المعركة في اليمن بتخريجة «انتصار» لتفرّغ نفسها ومالها وجماعتها للأزمة السورية ولبنان... ناهيك أنّها اليوم تستعدي قسماً كبيراً من اللبنانيين وتضع بعضهم على لائحة الإرهاب وتريد الانتقام منهم. وهل يمكن أن تلجأ أميركا والسعودية لتصفية حساب مع حزب الله عدّوهما اللدود الذي أفشل كل مشاريعهما في المنطقة - بمواجهة إسرائيل والتكفير - من اليمن والبحرين إلى العراق وسوريا وقبل ذلك لبنان وفلسطين... وهل من دور ما قد تلعبه مع إسرائيل لحظة ما؟ هل من دور جديد يخّطط لتيار المستقبل يحتاج فيه العودة إلى السلطة؟ هذا الكلام ليس من خلفه عقل مشكّك بل تجربة حياة مع آل سعود وعقلهم السياسي. ذات يوم، قال أمين عام حزب الله: إذا انتصر محورنا نحن سنحميكم أمّا إذا انتصر محوركم فأنتم لا تستطيعون حماية أنفسكم فضلاً عن حمايتنا. وإن يدّل هذا الكلام على شيء فإنّه يدّل على عقلية من يدير المحورين المتصارعين من جهة، ونفوذ رأي من يتحالف مع كلّ منهما في الساحة اللبنانية داخل محوره. فتيّار المستقبل يمكن أن يكون أداة لحظة ترتأيها المملكة السعودية أكثر منه ضامن في هذا البلد... هكذا علمّتنا التجارب. قد يقول قائل أعطوهم الفرصة، فرياح الإقليم تسير لصالح محورنا. وحقيقة الأمر أنّهم يبحثون عن تسوية تنقذ ماء الوجه بعد أن فقدوا السيطرة في ساحتهم على غير صعيد، كما أنّ المملكة الراعية بلغت حدود قدرتها وتكاد لم تحقّق أي إنجاز إلّا تأخير التسويات والانتصار الآت! دون أدنى شك أنّ لهذا التحليل موقعه ومكانه المقبول لكن في المعارك الكبرى التي ترتبط بقضايا المصير، عليك أن تخطّط وتفعل بالمضمون وليس على الإحتمال. فلا زلنا في قلب المعركة التاريخية... والعدو أميركا وحلفائها وأدواتها. فرئاسة جمهورية غير مسنودة من الكتلة المسيحية الأبرز ستضعها بعد حين طرفاً هامشياً مهما كان الرئيس العتيد مخلصاً لقضاياه ومبادئه... فهو سيصطدم مجدداً بمسألة صلاحيات الرئيس المحدودة فيكون أعاد لتيار المستقبل الحياة في شرايين جسده المتذابلة، ونكون مجدداً أمام تهميش جديد للمسيحيين سيلحق الضرر بلبنان بما يذكّرنا بمرحلة 1992 التي ما برحت مفاعيلها تؤزّم الواقع اللبناني، ناهيك عن الأزمة التي سيولدّها ذلك على الحلف الأبرز والأهّم في تاريخ لبنان بين حالة المقاومة والتيّار الوطني الحّر. إذن سنكون إزاء تهميش مسيحي جديد أضف إلى نزع جسر الاستقرار الوحيد الذي بنى عميقاً في لبنان وترسّخ ثقّة... فكان من نتائجه الاستراتيجية انتصار مدوٍ على إسرائيل 2006، ثمّ اليوم على المشروع الأميركي بأداة الإرهاب. وإلى أي مدى يصّح أن يضّحي فريق المقاومة بتحالفه مع التيّار المسيحي الأعرض في لحظة تاريخية ومفصليّة من تقارب نفسيّ واستراتيجي بين المسيحيين في العالم ونموذج إيران ومحورها الإسلامي. عوداً، لو فرضنا السير جدلاً بهذه التسوية، فسيكون لنموذج الدوحة حضور قوي منها الثلث الضامن، ما يعني أنّنا – ونحن في قلب المعركة – سنكون أمام شلل حكومي جديد واصطفافات أكثر حدّة بعد أن يكون المستقبل وأعوانه أعادوا ترتيب البيت الداخلي وشّد العصب المذهبي الذي يقاتلون فيه... وساعتئذ ستكون لحظة أسوأ من 7 أيار قد تطيح بلبنان كلّه. صحيح أنّنا اليوم بلا رئيس وبشلل، لكن الفارق أنّ الأطراف تتواجه خارج الحلبة من جهة ودون ممثليّها وملاكميها الفعليين من جهة ثانية ما يخّفف من حدّة الصراع بشكل أو بآخر. إزاء كل ذلك يقول قائل، يبدو أن هذه التحليلات تفيد أنّ لبنان سيبقى مرهوناً لتطورات الخارج وحساباته، وكأنّ اللبنانيون عاجزون عن تحقيق استقرارهم وسيرهم ببلدهم بأنفسهم. ونجيب أنّ العنوان الوحيد الذي قد يحّد ولو جزئياً في حماية لبنان والانتقال لبناء الدولة هو تحقيق التوازن فيه بين مكوّناته، وهذا لا يتحقّق بلا قانون انتخاب منصف يحدث التغيير العميق ويمّثل الجميع بأحجامهم الطبيعية، وبالتالي يؤمّن مدخلية استقرار يمكن استكماله والبناء عليه. وعليه، إنّ أي تسوية لا تأخذ هذا العامل ضمنها وتنجز تصوراً واضحاً لقانون الانتخاب لن تنال رضى أطراف التفاوض لجهة التقديمات المتبادلة حتّى بين مسيحيي 8 آذار والتيار، كما أنّها لن تحمل إلا بذور إنتاج تفجير أكبر مع فارق وجود رئيس جمهورية هذه المرّة لا يملك من الأمر شيئاً. بعد كل ما ذكِر، نقول لمن يقول بالفرصة أنّه إذا كان قرار المستقبل يرتبط بتهاوي السعودية إقليمياً وسعيه لترتيب أوراقه بأقلّ الخسائر الممكنة، عندها أصبح ما بين أيدينا تحصيل حاصل وليس فرصة علينا المبادرة اليها واغتنامها، فنُكسب فريق أميركا السعودية في لبنان ما لم يكسبوه منذ انخراطهم في الأزمة السورية. أمّا إذا كان وصولهم الى السلطة خطوة لجولة أميركية سعودية – وربّما إسرائيلية - يحضّر لها في المنطقة وتتهيّأ عدّة عملها، فمهلاً مهلاً... ختام القول بين هذه وتلك، إنّ الإبقاء على الوضع الراهن ربّما خير للبنان وكّل اللبنانيين. وإلاّ فلتحمل التسوية بذور نجاحها فتنزع من طريق الغد نذر أي انفجار في منطقة يرتسم فيها نظام العالم الجديد. دعونا ولو لمرّة نعطي لبنان بدل أن نأخذ منه، فحجر الاستئثار رهن خراب ولو بعد حين. وهنا نطرح سؤالاً آخر: هل السعوديّة موافقة كما يقال على إبرام اتفّاق ولو مرحلي، مع العلم بأنّه قد يريح الجبهة الداخليّة لحزب الله؟! أم أنّها مجرّد مناورة بغية فكفكة حلقات النزاع ثمّ اعادة ربطها من جديد واعطائها زخماً أكبر؟ المقصود وبشكل واضح أنّ ورقة لبنان في خضمّ الأزمة السوريّة قد استنفذت واستهلكت من السعوديّة، ولم تعد تؤدّي غرضها. بل اصبح مردودها اذا ما استمرّ الوضع على ما هو عليه، سلبيّ على حضورها في لبنان. وذلك من خلال اخفاقها في تحقيق أيّ من أهدافها اقليميّاً، وأيضاً من وضع الحليف الأبرز للسعوديّة أي تيّار المستقبل الذي اصبح مترهّلاً وفاقداً للسيطرة ومتراجعاً، ومن تزايد التباين بينه وبين القوّات اللينانيّة لصالح التقارب المسيحيّ - المسيحيّ والذي سيتيح مع الوقت امكانيّة الاتفاق على قانون انتخابات على أساس النسبيّة التي بدورها ستؤدّي الى فقدان المستقبل للدور الأحاديّ في الساحة السنيّة.