رائد العزّام *بتزاوج حصل بين النضال والتضحية الجزائريّة، والمدنيّة المتنورة التونسيّة، أبصرت جميلة بوحيرد النّور، ليتخذ الجسد محملاً روحيّاً وقيميّاً، مشكلاً آلة أو حالة نضاليّة مقاومة، مثّلت خلالها رمزيّة لثورتين: فكريّة جريئة في مجتمع ذكوريّ، ونضاليّة مقاومة على استعمار تكبّر وتجبّر.
جميلة بوحيرد تلك الحالة النضاليّة شكّلت رافعة وضعت المرأة العربيّة على الخريطة السياسيّة والاجتماعيّة والفكريّة، لتمهد طريقاً أمام أجيال من النساء العربيّات، ليكنّ عنواناً لمرحلة نضاليّة مقاومة، خرّجن خلالها قوافل من المناضلات والمقاومات والشهيدات في ساحات الصراع مع القوى الاستعماريّة وأدواتها الظلاميّة في المنطقة العربيّة.
تلك الشابة السمراء استطاعت أن تمثل حالة ضمن المدّ الثوريّ لحركات التحرّر العربيّة، حالة جامعة، وحّدت تلك القوى القوميّة حول نظريّة الفكر المقاوم، والعدو الواحد.
اليوم، في زمن التمظهرات الفكريّة الطارئة، زمن الضياع وفوضويّة المفاهيم، وقتل القيم واغتصاب المبادئ، حيث التوق إلى إحياء حركات التحرّر والمقاومة، للتصدي للهجمة الاستعماريّة الجديدة وأدواتها الرجعيّة على المنطقة العربيّة، نحتفي بتلك الشابة المقاومة، بتلك الرمزيّة الموحية، وسط ظلام الأمّة، واختلال الفكر، وتسويغ التبعيّة والعمالة والتصهين.
اليوم، بعد أن تاه مؤشّر بوصلتنا وتجاذبته قوى الظلام وطبول التخلّف، تعوزنا رمزيّة جيل مقاوم، علّها تصوّب وجهة تلك البوصلة نحو أهدافنا الوطنيّة التحرّرية، لتوجه معها فوهة بنادقنا صوب مغتصب أرضنا ومغتال أحلامنا.
لعلّه ليس مصادفة أن تكون زنوبيا ملكة للشام، وكليوباترا زعيمة لمصر، ودلال المغربي وليلى خالد رمزين وهامتين فلسطينيتين، في الوقت الذي تشهد فيه تلك البلاد الثلاثة هجمة استعماريّة منظّمة، تهدف إلى نسف مفهوم الدولة في كلّ من سوريا ومصر، وإخراجهما من سياقهما التاريخيّ والجغرافيّ، لتصبحا بلاداً مجزّأة بلا جيوش أو مؤسسات، تحكمها الصراعات والأدوات العميلة، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة بما يحقق للكيان الصهيونيّ أمنه، في دولة مفرّغة من شعبها العربيّ الفلسطينيّ، في محيط عربيّ منهك ومسحوق.
جميلة بوحيرد حتى الآن لوحة فنيّة جمعت بين صلابة المقاومة ووعي الحاضر؛ فلا هي كلّت في نضالها التحرريّ، ولا تاهت في غياهب حاضرها المرير. في ماضيها انتهجت بدمها طريقاً مقاوماً وصفه الشاعر الجزائريّ مفدي زكريا بدمه حين قال:
نحن ثرنا فحياة أو ممات
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
وفي حاضرها استبانت قول شاعرنا الكبير مظفر النواب: بوصلة لا تشير إلى القدس مشبوهة.
* نقابي أردني